شعار قسم مدونات

المقاومة في بيئة خاملة

blogs - عمل في شركة
لمَ يصعُب العمل ضِمن فريق داخل البيئات الخاملة؟ وهل يمكن العمل ضمن فريق من دون ممارسة نوع من الحياد إزاء ميل الجماعي إلى إبقاء الوضع الحاضر على ما هو عليه؟ من نافل القول التذكيرُ بأن الأفكارَ التي صاغت ملامح عالمنا كانت تبدو لأوساطها مجنونةً حين افترض أصحابُها أول مرَّة إمكانَ تنفيذها، بسبب ميل الجماعات إلى مقاومة الأفكار الجديدة. إن قلة قليلة من الأنبياء والمصلحين، والمخترعين، وعباقرة المال، وصناع الريادة.. نجحوا فعلا في كَبت هَذا المَيل الجماعيّ إلى الاستئناس بالقاع ومقاومة محاولات العُروج إلى مستويات عليا من الإنجاز الروحاني، أو العلمي، أو الاقتصادي.

يتميز الفرد كما يحدثنا غوستاف لوبون؛ بقدر من الذكاء يضعُف ما إن ينخرط في الجمهور. فهل يرجع هذا إلى أن الطموح من لوازم الفرد وليس الجماعة؟ أم يرجع إلى الماهيات الدقيقة التي يشكل فُسيفساءها كيان الجماعة نفسها بحيث كلما غلبت عليها العناصر التواقة إلى الإنجاز لزم عنه انسحابُ هذه الصفة إلى الجماعة بالتبعية؟
لو افترضنا مجموعتين من العناصر: (أ) و(ب) يمكنك عزيزي القارئ أن تضع تمثيلا لهاتين المجموعتين في الفضاء التدبيري الجيوسياسي. ولنلاحظ أهم خصائص كل مجموعة على حدة.
1) تتميز (معظم) عناصر المجموعة (أ) بصفات يمكن قياسها: إنها ميالة إلى الحركة الجماعية، ولا يتردد أي عنصر في إكمال حركة عنصر آخر قاصر. كما أن كافة هذه العناصر تملك فكرة عن أهداف حركتها، وتتوفر على قيادة، وبين العناصر والقيادة تواصل أفقي مستمر، ولذا فإن كافة العناصر (بما فيها العناصر القائدة) تخطط لأهدافها وتنفذها وفق حاجات المجموع.

هل يمكن العمل ضمن فريق في البيئات الخاملة من دون ممارسة نوع من الحياد إزاء الميل الجماعي إلى إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه؟ تشكل الحكومات نمطا محايدا حقيقيا لكنه كما في المجموعة (ب) يشكل نموذجا ناجحا للقيادة الفاشلة.

2) تتميز (معظم) عناصر المجموعة (ب) بصفات من قبيل: أنها تتوفر على قيادة، ولدَى هذه القيادة (فقط) أهداف عن حركة العناصر، دون أن تملك العناصر إدراكا واضحا لأهداف أي فعل من أفعالها. لذا، فإن التواصل بين هذه العناصر ضعيف في الغالب. وعليه، تكون حركاتها فردية متنافرة لا تناسق بينها. أما الانجازات فهي تبنى وفق حاجات الأفراد كل على حدة لا كمجموع متجانس، فيكون كل فرد غير معني بحركة باقي المجموع.

إن المقارنة بين عناصر المجموعتين قد يذكرنا بحركة الجماعات الإنسانية داخل نظامين تدبيريَّين (سياسين) احدهما منظومة ناجحة والأخرى غارقة في عثراتها.
فإذا لم تتوجه نسبة كافية من عناصر المجموعة (ب) إلى تغيير صفاتها إلى صفات شبيهة بما لدى عناصر المجموعة (ا) فليس لها أن تتوقع في الأفق تغييرا ايجابيا في نشاطها، هذا إن لم يتجه إلى التباطؤ ثم السكون.

يحدث أن تحاول عناصر معينة ضمن (ب) إحداث تغيير على مستوى الصفات المشار إليها، فتقاومها باقي العناصر، تماما مثلما في التجربة السلوكية التي أجريت على القردة بحيث يُمنع أي قرد أن يحاول تناول قطعة الموز لمجرد أن القردة السابقة كانت تمارس نفس المنع على كل قرد جديد يحاول قطف الموز رغم أن لا احد منهم عاصَر القردة التي كانت تتلقى عقوبة قطف الموز.

يحدُث أن بعض عناصر (ب) التي تتصدى لإحداث تغيير إيجابي تتسم بقدر من الصرامة إزاءَ أي مقاومة من باقي العناصر. أي أن لها قدرة على إخراج المجموعة جزئيا من حالة الخمول وتوفير شروط دنيا لعمل جميع العناصر كفريق.

هل يمكن العمل ضمن فريق في البيئات الخاملة من دون ممارسة نوع من الحياد إزاء الميل الجماعي إلى إبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه؟ تشكل الحكومات نمطا محايدا حقيقيا لكنه كما في المجموعة (ب) يشكل نموذجا ناجحا للقيادة الفاشلة، تتفق فلسفة السياسة معنا في تحديد "الدولة الفاشلة" بأنها دولة، رغم توفر كافة الأجهزة التي تجعلها شكليا دولة في الظاهر، لا قدرة لها على إدارة حكامة ناجحة.

قد لا تجد العناصر المواطنة ما يدعوها إلى وصف عملها بأنه مقاومة، لكنه كذلك ما لم يحدث تغيير على المستويات الثلاث المشار إليها. وحتى يحدث هذا فإن العناصر المواطِنَة تجد نفسها مجبرة على العمل في صمت.

النمط المحايد الثاني هو الشركات متعددة الجنسيات، تتصف هذه الشركات بأنها نماذجُ كولونيالية تتعالى على الضوابط المحلية للدول الفاشلة، فهي من جهةِ خرقها للقوانين تمارس ما تمارسه حكومة الدولة الفاشلة إزاءَ مواطنيها، وهي من جهة انضباط فريقها تعكس الممارسات التدبيرية التي تنتمي إليها كما صدرت في المجموعة (ا).

فما الذي على العناصر المواطِنة أن تفعله؟ يعمل جهد العناصر المواطنة على ثلاث مستويات: فهي تواجه ميلا عاما إلى الخمول بفعل شيوع قناعات "اللاجدوى". ثم هي تواجه فشلا قياديا على مستوى الحكومات قد يصل حدَّ العداء المباشر، ثم هي ـ من جهة ثالثة ـ تواجه المدَّ الكولونيالي الذي تمثله سلطة الخارج على الداخل. وهي سلطة تستفيد ولا شك من قناة نموذجية تتمثل في القيادة المحلية الفاشلة.

قد لا تجد العناصر المواطنة ما يدعوها إلى وصف عملها بأنه مقاومة، لكنه كذلك ما لم يحدث تغيير على المستويات الثلاث المشار إليها. وحتى يحدث هذا فإن العناصر المواطِنَة تجد نفسها مجبرة على العمل في صمت أو انتظار ما يجعل البيئة الخاملة قابلة لتلقي الصدمة. وهي صدمة لا يمكننا أن ندعي سلامة التوقع بنتائجها عندما ننظر إلى ما آلت إليه الأوضاع في مصر وسوريا على سبيل المثال.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان