شعار قسم مدونات

فاقد الشيء يعطيه

blogs - bookshelf

قال الشاعر الفرنسي الشهير " لوكليزيو " في معرض حديثه عن تتويجه بجائزة نوبل للآداب سنة 2008: أشعر بالقلق على مستقبل الأدب في العالم. وعندما سألوه عن سبب قلقه هذا أجاب: لأنّه اليوم صار كلّ من هبّ ودب يكتب. ومن موقعنا أيضا نشيد بما قاله " لوكليزيو "، لأنّ فعل الكتابة أشبه بعملية إعادة البصر لشخص أعمى ومن المنطقي أنّ أوّل ما ستريه إيّاه هو مناظر الطبيعة الأخاذة وليس مناظر التقتيل مثلاً. إنّ استسهال عملية الكتابة تجنح نحو السقوط في الابتذال عبر فتح الباب على مصراعيه لكلّ من يمتلك قلماً. 

لكن في المقابل نودّ إن نشير منذ البداية أنّنا لا نلعب دور شرطي الأدب أو الوصيّ على الكتابة،

المسألة فقط دعوة إلى التجهّز بما يلزم لاقتحام عالم الكتابة. فالجندي لا يُرسل إلى خطّ النار إلّا بعد تدريبات شاقة تؤهّله لأن يكون جندياً قادراً على الصمود في الخطوط الأمامية وكذلك الكاتب يجب عليه أن يدخل عالم الكتابة بعد تدريبات تمكّنه من معرفة أبجديات فعل الكتابة حتّى لا يغدو واقعنا الأدبي أشبه بسوق للنخاسة الفكرية. 

نقول فاقد الشيء يجب أن يعطيه، بمعنى عندما تفقد قلماً جيّداً يؤهّلك أن تكون كاتباً مؤثّراً وجب عليك أن تنسحب في هدوء وتتمرّن أكثر وتطالع أكثر حتّى تكون نافعاً من موقعك ولا تشكّل عبئاً ثقافياً على الساحة الأدبية التي تشكو هشاشة الأقلام كما تشكو عجوز هشاشة العظام.

يقول " جورج برنارد شو ": أن تقرأ هو ان تعيش تفاصيل الأخرين وان تكتب هو تموت بعيداً عن الآخرين. ففعل الكتابة أشبه بانتحار يبقيك على قيد الحياة فكما عرّف الصينيون الكتاب في أشهر أمثالهم الشعبية والتي تقول: الكتاب هو التي تطلّ على العالم، فكيف ستكون شكل هذه النافدة إذا كان من يبنيها أيّ شخص. وعندما سئل " ارسطو " ذات يوم عن آلية تقييمه للشخص أجاب في هدوء: أسأله كم كتاباً قرأت. ولعلّ "ثيودور أدورنو" حين وصف الكتاب بأنّه وطن من لا وطن له كان يعي بتأثير عملية الكتابة في القارئ. لهذا فإنّ فعل الكتابة لا يجب أن يُمنح لكلّ من هبّ ودبّ حتّى لا نصبح إزاء واقع أدبي مترهّل يستسهل منح صفة كاتب لكلّ شخص يكتب. الكتابة وحدها لا تصنع كتّابا جيّدين، ولعلّ المواقع الاجتماعية وعلى رأسها الموقع الأشهر فيسبوك قد سهّل من عملية الكتابة فنرى صفحات تنتشر هنا وهناك باسم كاتب او كاتبة ويعطي لنفسه المشروعية لأن يقتحم عالم السرد والقصّ والشعر والنقد والفلسفة… إلخ دون تأطير مسبق وهذا يشبه إلى حدّ كبير إعطاء السلاح لأي شخص، فكما يمكن لهذا الشخص أن يشكّل خطراً عن الأمن الجسدي للناس، فالكاتب الغير مؤهل أيضاً يشكّل خطراً على الأمن العقلي للناس. 

ولهذا نقول فاقد الشيء يجب أن يعطيه، بمعنى عندما تفقد قلماً جيّداً يؤهّلك أن تكون كاتباً مؤثّراً وجب عليك أن تنسحب في هدوء وتتمرّن أكثر وتطالع أكثر حتّى تكون نافعاً من موقعك ولا تشكّل عبئاً ثقافياً على الساحة الأدبية التي تشكو هشاشة الأقلام كما تشكو عجوز هشاشة العظام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.