وإذا ما نحن تأملنا عدد المشاركين (150 ألف)،مع العلم أن المسيرة نظمت نهار رمضان وعند العاشرة صباحا حيث درجة الحرارة تقترب من الأربعين، فسنجدنا نتساءل باستغراب: أية قوة دفعت بكل هؤلاء المغاربة، رجالا ونساء، نحو الشارع؟ لكن هذا الاستغراب سينجلي إذا ما نحن علمنا أن جماعة العدل والإحسان الإسلامية "المحظورة " قد شاركت في هذه المسيرة، فهذه الجماعة التي يتجاوز عدد أعضائها 3 مليون مغربي يتوزعون عبر مدن وقرى المملكة، هي أكبر تكتل في المغرب.. أكبر حتى من حركة التوحيد والإصلاح وجناحها السياسي حزب العدالة والتنمية الذي لا يتجاوز عدد أعضائه مليون ونصف مغربي.
جماعة العدل والإحسان تمارس السياسة فعلا لكنها ترفض أن تلج الملعب بطريقة مباشرة، لكونها تعرف أن ولوجها الملعب سيجعلها تخضع لقرارات الحَكم ومساعديه. أقصد أنها لا تؤمن بإمكانية إحداث الإصلاح والتغيير من داخل النظام. |
أعني أن جماعة العدل والإحسان دائما ما تُحدث الفرق فيما يتعلق بالحركات والوقفات والمسيرات الاحتجاجية، ولعلنا نتذكر جميعا كيف أن حركة 20 فبراير تقهقرت ثم ماتت بمجرد ما أعلنت قيادة الجماعة انسحابها منها.. فالجماعة ليست قوة عددية فحسب بل الأهم أنها قوة تنظيمية وتأطيرية، وهذا يعزى ربما لكونها جماعة " تربوية " في أصلها. فمؤسس الجماعة المرحوم " عبدالسلام ياسين " كان دائم الإصرار على أن جماعته تأسست لأهداف تربوية محضة، وكان في المقابل يرفض بالمطلق أن توصف جماعته بالسياسية، وعلى نهجه تسير القيادة الحالية.
إلا أن المتمعن في كتابات عبدالسلام ياسين وبلاغات وبيانات الجماعة سيفهم أن هذه الأخيرة كانت وما تزال منشغلة جدا بالوضع السياسي في المغرب ولا تستطيع البتة أن تبقى منعزلة عما يحدث من تحولات ومتغيرات بالساحة السياسية. يكفينا رأي الجماعة من النظام المغربي ومن الملكية ومن الأحزاب.. لنفهم أن الجماعة فعلا تمارس السياسة لكنها ترفض أن تلج الملعب بطريقة مباشرة، لكونها تعرف أن ولوجها الملعب سيجعلها تخضع لقرارات الحَكم ومساعديه. أقصد أنها لا تؤمن بإمكانية إحداث الإصلاح والتغيير من داخل النظام، مادام مجال المناورة والحرية التي يسمح بهما النظام ضيق جدا.
إلا أنه من جهتنا، نعتقد أن الوضع لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه، وأن الجماعة ستجد نفسها ملزمة بمراجعة أرائها من النظام المغربي بما يناسب أهدافها السياسية التي بدأت تلوح في الأفق منذ بداية الربيع العربي، لذلك لا يجب أن نستغرب إذا ما أعلنت الجماعة في القريب تأسيسها حزبها السياسي، لتتحول بذلك إلى مجرد لاعب احتياطي ينتظر دوره في ولوج الملعب.. وإننا لنرى أن هذه الظرفية من تاريخ المغرب هي الأنسب خاصة في ظل الاحتجاجات التي تجوب مدن المملكة لما يزيد عن سبعة أشهر.. فإذا كان حزب العدالة والتنمية قد أنقد المغرب من الربيع العربي، فجماعة العدل والإحسان قد تنقذ المغرب من حراك الريف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.