شعار قسم مدونات

ما الذي تعرفه السعودية وجيبوتي عن قطر وتجهله أميركا؟

blogs - استخبارات
يتوجب ونحن ننظر في أبعاد أزمة الخليج الجديدة ومسبباتها ومعطياتها وما قد تؤول إليه من تداعيات، أن نتساءل ونستفهم: ما الذي تعرفه السعودية وحلفاؤها، من الإمارات إلى موريتانيا وجيبوتي وجزر المالديف و"وجمهورية أرض الصومال" مرورا بالبحرين ومصر والأردن عن قطر، وغاب عن الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا وأوروبا وبقية أعضاء الحلف الدولي الذي يحارب الإرهاب؟

ماذا يمكن أن يكون هذا الحلف السعودي الغيور! المفاجئ قد انفرد باكتشافه دون أساطين أجهزة الاستخبارات العالمية التي تعد أنفاس بعضها البعض وتحصيها ليل نهار كما سنرى؟ ما عدا التهم السياسية والإعلامية الكيدية التي يكيلها كل طرف ضد الآخر للاستهلاك المحلي تارة ولتبرير المواقف الدولية تارة أخرى، أو ربما لاختلاط الأوراق وتشابك الخنادق إلى الحد الذي لا يستبين عنده البعض اتجاهات الأحداث، من أمثال أن داعش مثلا صناعة أميركية وأن هيلاري كلينتون اعترفت بها في مذكراتها التي لم يقرأها القائلون بذلك، هذا إذا افترضنا أنهم يقرؤون أو يعرفون القراءة أصلاً، أو أن داعش، كما هو حال جميع المصائب التي تنزل على رأس المنطقة والعالم، مؤامرة إسرائيلية صهيونية، أو ببساطة داعش إيرانية، داعش سعودية، سورية، تركية، قطرية وما إلى ذلك.

بما لا يدع مجالا للشك أن أجهزة المخابرات الغربية تتابع كل صغيرة وكبيرة في هذا العالم، وأنها بالتأكيد تتفوق على الاستخبارات السعودية والموريتانية وتعرف كل شيء عن قطر.

بعد أحداث ١١ أيلول الشهيرة عام ٢٠٠١، صعقت أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية بفشلها في اكتشاف المعتدين ومنع الكارثة التي صبغت الألفية الثالثة بالدم ولا زالت، فعكفت على إعادة النظر في آلياتها واستراتيجياتها رغم أنها لم تكن قاصرة وتدخل في غرف النوم، بل وتحت الجلد، ولولا أن الكمال لله تعالى وحده لما فاتتها فلتة ابن لادن في نيويورك وواشنطن.

شبكة رصد وجمع وتحليل البيانات المعروفة باسم برنامج إيشلون، أسستها الولايات المتحدة بالتعاون مع بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا في أواخر ستينيات القرن الماضي لمراقبة الاتصالات العسكرية والدبلوماسية للاتحاد السوفيتي وحلفائه في المعسكر الاشتراكي إبان الحرب الباردة.

بعد أيلول ٢٠٠١، توسعت الشبكة لتصبح عالمية لا تستثني أحدا وتشمل رصد ومراقبة واعتراض وتحليل كل البيانات المتبادلة عبر الأثير الرقمي والتناظري بضمنها الاتصالات الشخصية والتجارية والمالية، بل وحتى العائلية والعاطفية كما في حالة الأميرة ديانا، فضلا عن العسكرية والدبلوماسية السابقة.

تقول الغارديان إن محطات التجسس الإلكتروني التي تديرها الشبكة تستطيع اختلاس الهواتف والفاكسات والكومبيوترات ولها القدرة على تتبع الحسابات المصرفية وتعقب مليارات الاتصالات يوميا والاحتفاظ بها في ملايين السجلات التي تخص الأفراد والمؤسسات. تجمع البيانات التي تغطي ٩٠٪ من النشاط العالمي المتبادل حسب تقرير أعدته لجنة برلمانية مؤقتة خاصة في الاتحاد الأوروبي، دون تمييز ويتم تحليلها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحويلها إلى تقارير ومعلومات استخباراتية حسب الحاجة، كانت اللجنة الأوروبية في حينها قد سافرت إلى الولايات المتحدة إلا أنها رفضت في حينها استقبال ومناقشة اللجنة.

يقول جوش كونفايزر في كتاب بنفس اسم الشبكة "إيشلون" صدر عام ٢٠٠٦: "خلال الزمن الذي تستغرقه قراءة هذه الجملة منك، اأي خلال ثوانِ، تستطيع إيشلون أن تعترض سبعين ألف مكالمة وبريد إلكتروني وفاكس" فتصور إمكاناتها في عام ٢٠١٧.

جهود مكافحة تمويل الإرهاب هذه أسفرت عن وضع اليد على العديد من المؤسسات الخيرية التي يعتقد ان لها صلات بالإرهاب وكانت أكثرها وأكبرها حجما على الإطلاق سعودي.

رغم أن الولايات المتحدة وشركاءها لم يعترفوا بهذه الشبكة إلا أن إدوارد سنودن عميل السي آي أي، الهارب اللاجئ في روسيا الآن، كشف عن بعض رسائل وكالة الأمن الوطني بين عامي ٢٠١٢ – ٢٠١٥ التي تفيد باستخدام شفرة إيشلون. ثم جاءت فضيحة التنصت على الهواتف الخلوية لزعماء أوروبا، وفِي المقدمة منهم حلفاء أميركا المقربين مثل المستشارة الألمانية ميركل ورؤساء فرنسا، شيراك وساركوزي وهولاند، لتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن أجهزة المخابرات الغربية تتابع كل صغيرة وكبيرة في هذا العالم، وأنها بالتأكيد تتفوق على الاستخبارات السعودية والموريتانية وتعرف كل شيء عن قطر.

قبل ذلك، وعلى سبيل المثال، تبين أن الولايات المتحدة تجسست على الأميرة ديانا واعترضت مكالماتها إلى ما قبل وفاتها بباريس في حادث الاصطدام الشهير عام ١٩٩٧، ولدى وكالة الأمن الوطني الأمريكية حاليا ١٠٥٦ صفحة من المعلومات المصنفة "سري للغاية" عن الأميرة الراحلة، ترفض الكشف عنها مخافة افتضاح مصادر ووسائل جمعها، الملف للنظر أن مصدرا رسميا أفاد أن اعتراض محادثات ديانا كانت عفوية، غير مقصودة، وأنها لم تكن أبدا هدفا للأمن الوطني، وهو ما يدل أن أجهزة المخابرات الأمريكية لا تدع صغيرة أو كبيرة تمر دون فحص وتمحيص، وأن تقنيات التجسس تعمل بشكل آلي محترف حتى وإن لم يكن الهدف ضمن قوائم الرصد والمتابعة.

فهل غفلت المخابرات الأمريكية عن الشيخ تميم، وهي فضلا عن إمكانيات التجسس الهائلة هذه، تدير أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة، تحت قدميه، وتنبهت له المخابرات السعودية واستخبارات جزر المالديف!؟ 

من جانب آخر، وفي وقت مبكّر من شن الحرب الأمريكية واسعة النطاق على الإرهاب، شخصت الولايات المتحدة ان تجفيف مصادر التمويل أحد أهم جبهات هذه الحرب، وعمدت المؤسسات المختلفة مثل، مكتب التحقيقات الفيدرالي والسي آي أَيْ ووزارة الخزانة إلى استحداث إدارات خاصة لتطويق عمليات تهريب وتبييض الأموال ومنع وصولها إلى المنظمات الإرهابية ووضعت التشريعات اللازمة، مثل قانون باتريوت وقانون الإجراءات الاقتصادية الطارئة لتسهيل عمل هذه الإدارات الجديدة رغم تعارضها في بعض الأحيان مع خصوصية الأفراد وحرياتهم الشخصية، بل إنها فرضت قيودا على المؤسسات الخيرية داخل وخارج الولايات المتحدة وحصرت نشاطات التبرع وجمع الأموال في أضيق نطاق.

هل عجزت كل هذه الجهود عن رصد وتأشير التمويل القطري المزعوم وتمكنت السعودية و"جمهورية أرض الصومال" من ذلك فجأة وعلى حين غرة. بالعراقي نقول "اقعد أعوج واحجي عدل"

أكثر من ذلك، استصدرت الولايات المتحدة قرارا من مجلس الأمن برقم ١٣٧٣ فى ٢٨ ايلول/ ٢٠٠١ ، يجيز تجميد الأصول المملوكة لمنظمات إرهابية أو المتعاونين معها أو المؤيدين لها أو الضالعين فى أنشطة لها علاقة بالإرهاب عموما، وهو قرار يتيح مدى واسعا فضفاضا للحركة وإصدار الحكم على اَي نشاط مشبوه في نظر العاملين عليه حتى وان لم ترقَ الأدلة الى الدرجة القطعية والثبوت الحاسم.

الجدير بالذكر، أن جهود مكافحة تمويل الإرهاب هذه أسفرت عن وضع اليد على العديد من المؤسسات الخيرية التي يعتقد ان لها صلات بالإرهاب وكانت أكثرها وأكبرها حجما على الإطلاق سعودية مثل (مؤسسة الحرمين الإسلامية السعودية، وهى مؤسسة خيرية إسلامية تهتم بنشر الإسلام، وتعمل في أكثر من ٥٠ دولة، وتحصل على مساندة من الأفراد ومن المؤسسات ومن الحكومة السعودية، وتقدر ميزانيتها السنوية بما يترواح بين ٥٠ مليونا إلى ٨٠ مليون دولار. وذكر تقرير اللجنة الأمريكية المكلفة بالتحقيق فى أحداث ١١ سبتمبر أن اثنين على الأقل من المسئولين فى الحكومة السعودية تقلدا مناصب استشارية في مؤسسة الحرمين قبل أحداث ١١ سبتمبر حسب موقع البوابة المصري).

فهل عجزت كل هذه الجهود عن رصد وتأشير التمويل القطري المزعوم وتمكنت السعودية و"جمهورية أرض الصومال" من ذلك فجأة وعلى حين غرة. بالعراقي نقول "اقعد أعوج واحجي عدل"، أي اجلس كيفما بدا لك ولكن تحدث بالمنطق.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان