شعار قسم مدونات

منزل "آن فرانك" من منظور فلسطيني ​

blogs - Anne Frank house
إلى جانب المتعة التي يجلبها السفر لنا، فكل وجهة تفتح أعيننا أيضا على أمور جديدة. فبمجرد خروج كل منا من بيئته، نبدأ بالتساؤل إن كنا سنملك نفس القيم، والمبادئ والأعراف. أم أن وجودنا في هذا المكان الجغرافي هو الذي حدد جميع مسرى حياتنا.
 
فالسفر هو الطريقة الأمثل لتطوير مهارات تقبّل الآخر. من خلال رحلتي إلى أمستردام، حيث الثقافة والتاريخ الثري، والأناس اللطفاء والمنفتحين. قمت بزيارة متحف آن فراك وهو إحدى أهم المعالم في مدينة أمستردام. كان منزل آن فرانك المخبأ لهذه الفتاة اليهودية الألمانية والتي تعد واحدة من ملاين ضحايا الاضطهاد النازي.

ولدت آن في فرانكفورت في ألمانيا في عائلة يهودية، واضطرت فيما بعد إلى مغادرة بلادها مع عائلتها إلى أمستردام عندما سيطر النازيون على الحكم في بلادها. عندما تزايد الاضطهاد على اليهود، اضطرت العائلة إلى الاختباء لمدة سنتين في الملحق السري في بيت صديقهم. تعرضت العائلة فيما بعد للخيانة وأرسلوا إلى معسكرات الاعتقال وتوفوا.

كان الناس ما زالوا يشاهدون الفيلم الوثائقي بينما كنت جالسة و الدموع منحبسة في عيوني. يجب أن يعلموا أن اللاجئين الفلسطينيين لا زالوا ينتظرون. إنهم ينتظرون منذ ٦٨ عاما.

قام أوتو فرانك، والد آن والناجي الوحيد من العائلة، بنشر مذكراتها فيما بعد والتي أصبحت واحدة من أكثر الكتب مبيعا عالميا. تقول آن: "يستطيع الناس بإجبارك على عدم التحدث، ولكن هذا لا يمنعك من تشكيل آراء خاصة بك.". جولة في هذا المخبأ الذي عاشت فيه مع عائلتها لمدة سنتين هي تجربة كافية لتمس قلب أي إنسان.

في نهاية الجولة، كان هنالك فلم وثائقي يسجل زيارات المشاهير لهذا المكان وتعليقاتهم. كان من ضمنهم شمعون بيريز، الرئيس الاسرائيلي الأسبق. قال بيريز: "سيظل صوتها البريء والصادق يغني في كل العالم للأجيال القادمة، لنفهم الفرق بين أن تكون إنساناً وأن تكون شيطاناً.".

عندما سمعت خطابَه، تحول كل الحزن في قلبي إلى غضب. أردت أن أقف وأصرخ أمام كل السياح ليسمعوا صوتي. تخيلت نفسي ألقي هذا الخطاب: "هذا الرجل منافق. تعرض شعبه للعنصرية في السابق، ولكن دولته اليوم تفعل نفس الشيء بنا. نحن الفلسطينيون، ضحايا الأيدولوجية الصهيونية العنصرية. نملك آلافا من منازل آن فرانك. وأي سائح مرحب به لزيارة.

"ما يعادل هذا المنزل هو مخيمات اللجوء الموزعة في فلسطين وفي العديد من الدول المجاورة. الفرق الوحيد هو أن زيارة هذه المخيمات قد تعرض سلامتك للخطر. قد لا نضمن لك كل التسهيلات الموفرة هنا، مثل التدفئة في الشتاء والتبريد في الصيف. إذا قمت بزيارة في فصل الشتاء، ستطفو المخيم مياه الأمطار وستدخل مياه المجاري إلى بيوت الناس.

وإذا قمت بزيارة في فصل الصيف، قد تتعرض لضربة شمس. من الجدير بالذكر أيضا أننا لا نستطيع تقديم القهوة أو الشاي في مقهى لطيف بعد جولتك وذلك لشح المياه. الكهرباء أيضا غير متوفرة في معظم الأوقات، لذلك قد تحتاج لإحضار مصباحك الخاص. وإذا أمعنت النظر خلال جولتك الليلية، سترى في الخيم خيالات عديدة لأطفال يكتبون مذكراتهم على ضوء الشمعة.".

ما يعادل هذا المنزل هو مخيمات اللجوء الموزعة في فلسطين وفي العديد من الدول المجاورة. الفرق الوحيد هو أن زيارة هذه المخيمات قد تعرض سلامتك للخطر.

كان الناس ما زالوا يشاهدون الفيلم الوثائقي بينما كنت جالسة و الدموع منحبسة في عيوني. يجب أن يعلموا أن اللاجئين الفلسطينيين لا زالوا ينتظرون. إنهم ينتظرون منذ ٦٨ عاما. لم يتم إرسالهم إلى معسكرات الاعتقال ليُحرَقوا، ولكن بالمقابل تم إرسالهم إلى مخيمات اللجوء حيث الموت البطيء وحق العودة هو حلم ليس إلّا.

يعيش اللاجئون غالبا في أسوأ الظروف، بلا جنسية أو أيّة حقوق أساسية. إذ كان السائح لا يحبذ زيارة هذه المخيمات، فمن الممكن بدلا من ذلك مراقبة الحياة اليومية للفلسطينين. جولة في الضفة الغربية ستجعله على دراية بالذل والفصل العنصري الذي يتعرض له الفلسطينيون بشكل يومي. ستكون الحواجز، جدار الفصل العنصري، المستوطنات، شباب في الاعتقال الاداري، و دماء بريئة في الشوارع جميعها من معالم هذه الرحلة.

لاعادة صياغة مقولة بيريز، من الممكن أن أقول أن أصواتنا البريئة والصادقة ستبقى تناضل حتى يفهم العالم الفرق بين أن تكون إنسانا وبين أن تكون صهيونيا. قالها ياسر عرفات يوما: "إن إنشاء الدولة الاسرائيلية هو "الهولوكوست الفلسطيني لليوم" والشعب الفلسطيني تعرض لأسوأ هولوكوست في التاريخ.".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.