شعار قسم مدونات

لا تكونوا قوما إمعات..

blogs - audince
لا أطمئن إلى أولئك الذين يوافقونني الرأي دائما، الذين يتخلون عن آرائهم وقناعاتهم سريعا ويقبلون بأخرى دونما تفكير؛ لا يمكن لأمثال هؤلاء أن يستقروا على شيء.. ثم إنه من الجميل أن يكون لك شخص تحبه وتثق فيه وربما تتخذ منه قدوة لك..

لكن من غير المقبول إطلاقا أن تتخلى عن شخصيتك وتذوب في ذاك الآخر وتغمض عينيك وعقلك وتتبعه اتباعا أعمى.. يقول تعالي (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)، ليس بهم وإنما بهداهم..! ﻷن ذلك القدوة هو في النهاية بشر؛ يصيب ويخطئ. والحق لا يعرف بالرجال وإنما الرجال هم من يعرفون بالحق.

كان مالك بن أنس تلميذا لأبي حنيفة، وكان الشافعي تلميذا لمالك وتتلمذ الإمام أحمد على يد الشافعي.. لكنهم مع ذلك ليسوا نسخا متطابقة، ولم يتخل أي منهم عن عقله، بل على العكس اختلفوا في كثير من الأمور والقضايا وبقي الحب والتقدير والاقتداء حاضرا بينهم..

الأمر ليس متعلقاً بالجانب الديني فحسب، بل تقريباً كل مناحي الحياة تعاني ذات المشكلة، فالمعلم يريد من تلميذه صدى لصوته، والأب يريد أن يستنسخ نفسه لا أن ينجب طفلاً!

كان في الحب متسع، وعباءة الاقتداء كانت تسع الاختلاف.. أما نحن فمشكلتنا اليوم أن أغلب أولئك الذين يحسبون أنفسهم قدوات باتوا يطلبون ولاء مطلقا؛ ولسان حالهم يقول: لا مجال للأخذ والرد هنا، فإما أن تتفق معي وتتبعني دون عقل وتفكيّر، أو أن ترفضني كاملا..
 

وكأنما بات التفكير فجأة فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الكل! أتذكر كلمات الشيخ محمد الغزالي: "ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﺧﺸﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻯ ﻳﻔﻜّﺮ ﻭﺇﻥ ﺿﻞّ، ﻷﻧّﻪ ﺳﻴﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﺧﺸﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻔﻜّﺮ ﻭﺇﻥ ﺍﻫﺘﺪﻯ، ﻷﻧّﻪ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻛﺎﻟﻘﺸﺔ ﻓﻲ الريح..".

الأمر بالمناسبة ليس متعلقاً بالجانب الديني فحسب، بل تقريباً كل مناحي الحياة تعاني ذات المشكلة، فالمعلم يريد من تلميذه صدى لصوته، والأب يريد أن يستنسخ نفسه لا أن ينجب طفلاً.. بل وأن الأمر بلغ مبلغا خطيرا حتى وصل إلى الدول!

وليس بعيدا عنا ما يجرى هذه الأيام من عبث صبياني تمارسه بعض الدول على شقيقة جارة لهم دون سبب واضح، اللهم إلأ التسلط على قرار الآخر ومطالبته بالولاء المطلق والتبعية العمياء كما تلك التي يجدونها من شعوبهم وحاشيتهم التي تطبل لهم وتسوَغ لهم افعالهم ..

كان مالك بن أنس تلميذا لأبي حنيفة، وكان الشافعي تلميذا لمالك وتتلمذ الإمام أحمد على يد الشافعي.. لكنهم مع ذلك ليسوا نسخا متطابقة.

الكل – ابتداء بالسطلة الأبوية وليس انتهاءً بحكامنا – أصبح يبحث له عن أتباع ومطبلين يسوغون له ما يرتكب، لا عن بشر مثله قد يتفقون أو يختلفون معه. هي حالة هوس عام وجنون عظمة وتضخيم للذات والقدرات، ينشأ عنها استصغار للآخر ومن ثم احتقار لفكره وحتى إنسانيته ..فهو – أي ذاك الآخر – ليس له أن يفكر أو أن يمتلك قراراً، متناسين أن العظيم الحقيقي هو من يشعر الجميع في وجوده بعظمتهم وليس العكس..

فذكاءك، وفكرك، قوتك ونفوذك.. كل ذلك لا يبرر لك أن تنظر للآخرين بازدراء وفوقية. المشكلة جد عميقة ومركبة وذات جذور ضاربة في أعماق مجتمعاتنا، وليس من السهولة حلّحلّتها وتفكيكها إلى عواملها الأولية.. يقول الله تعالى بشأن فرعون: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ). جزء كبير من هذا الطغيان سيتوقف، إذا توقفنا نحن عن سياساتنا الانبطاحية دولاً وافرادا وقلنا بصوت واحد لهذا الطغيان… كفى!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.