شعار قسم مدونات

شيء من الخوف..

blogs - fear
تتعدد مشاعرُنا الإنسانية، ويظل لكلٍ منها مذاقه وأثره. نعيش السعادةَ ونجاوزُ الحزنَ، نتردد بين مدارجِ الحبِ أحيانًا ونتجاهله حينًا. نمر بالكثير لكننا ننسى كثيرًا مما مرننا به، إلاّ حين نخاف! ذلك الشعورُ الذي ضمته ثلاثةُ أحرفٍ تآلفوا من مشرق الأبجدية ومغربها، تآلفوا ليثيروا في النفس ما لا يثيره غيره. 


قد يبدو الخوفُ بسيطًا لدرجة أنك تتغلب عليه بشيء من الشجاعة أو التحمل. لكنني لا أراه بسيطًا أبدًا في أثره أو استخدامه أو حتى أحكامه. يقول الله تعالى "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"، قُدم الخوف علي غيره من الجوع والفقر ونقص الزروع بل أيضًا الموت والفقدان، وفي لغتنا العربية غالبًا ما يكون التقديم دلالة لأهمية المُقدم.

بل في أوقات الحرب فإنّ أحكام الصلاة تختلف، فقد أُبيح قصر الصلاة حالة خوف العدوان، و قُسِم المؤمنين فئتين فئةً تصلي وفئةً تحمى المصلين. ومن الخوف تنامت الخشية والتقوى، ومنهما يتمايز الخبيثُ والطيب ويتمايز معها الجزاء. وفي عالم البشر، الخوف هو السلاح البشري الأقوى، حين تتمكن من زرع الخوف بين الناس فقد حُزَّت عقولهم وأجسادهم. والخوف لا يأتي إلا بالعنف والاستبداد – غالبًا -، يزداد مُريده صاحب السلطة طغيانًا ويزداد ضحيته ضعفًا.

لم تعد بلد الأمن قائمةً، لم تعد قادرًا أنت علي بثِّ الأمانِ في نفوسِ رفاقك، تلاشى تفاؤلك فتلاشت ابتسامتك المعهودة. تهشم سقفُ قوقعتك فأصاب رأسك!ا

هل يمكنك أن تصف شعورًا أبشع من أن تمشي في الشارع خائفًا تترقب؟ كنبي الله موسى حين وكز رجلًا فقضي عليه وفرّ هاربًا من مصر إليّ مدين خائفًا من الناس، من تلك المرأة التى تطلب مساعدتك لتخدعك وربما تصيبك بأذي، تأثرًا – وإنْ كان لا إراديًا – بشائعاتٍ أصمّت الآذان! أم خائفةً من ذلك الشاب لأن يتحرش بكِ لفظًا أو فعلًا.

تسمع نداء الصلاة فتركض للمسجد خوفًا من أن تفوتك تكبيرة الإحرام لأن إمام مسجدك يوشك أن يقيم الصلاة قبل الأذان! وربما إن تأخرت عن ذلك ستجد أبوابَ المساجِد مغلقةً في وجهك! تخاف أن تنزل من بيتك بعد أن كتبت كلمةً تدين دولتك علي صفحتك الشخصية، أم خائفٌ لمجرد أن لك عقلًا يفكر  ويعارض!
 

تخاف من مستقبلك المجهول، ماضيك المؤلم، حاضرك الذي لا يبشر بأي شيء! تخاف من مقالٍ كتبته فحجبته عن الأعين، أم تخاف علي رفيقٍ ضاقت عليه الأرض فهاجر. ورفيقُ سكنِك الذي اقتادوه ليلًا لمسرح الإعدام بتهمة قتلٍ متعمدةٍ مع سبقِ الإصرار، أعدّها حين كان يدرس لامتحان الأسبوع القادم – كما اتهموه – تتوجس أنّ يأخذوك ليأنسَ بك في أيامه الأخيرة المتبقية!

تخاف على وطنك أم تخاف منه؟! أيُ وطنٍ هذا الذي لا يمكنك حمايته؟! يتداعى جسده، تُباع أرضُه، يُقتّل أبناؤه، وأنت كما أنت، عاجزٌ عن الحماية وعاجزٌ عن الصراخ وطلب النجدة! تمر في طريقك، ترتجف حين تسمع هتافاتٍ تكاد تفتك بعربةِ ترحيلاتٍ مارةً بقائليها، تكهناتٍ عن حربٍ قادمة، أحكام إعدامٍ تؤيد بشكلٍ مخيفٍ أيضًا. قتلٌ هنا وتفجير هناك..

هل يمكنك أن تصف شعورًا أبشع من أن تمشي في الشارع خائفًا تترقب؟ كنبي الله موسى حين وكز رجلًا فقضي عليه وفرّ هاربًا من مصر إليّ مدين خائفًا من الناس.

حالةٌ من الخوف تتملكك، دائمًا ما كنت ترى العالم يتجه للأسوأ، لكنّك تتجاهله ضاحكًا مُعاندًا. الآن بت كتلةً من الخوف تتحرك، كثقبٍ أسود يبتلع كل ما يدور في فلكِه. قد يكون الخوف دافعًا، لكن بحدوده. تتراكم عليك النوائب ليصبح الخوفُ رادعًا حتى عن القيامِ عن سريرك لتبدأ يومًا آخر كغيره.
 

لم تعد بلد الأمن قائمةً، لم تعد قادرًا أنت علي بثِّ الأمانِ في نفوسِ رفاقك، تلاشى تفاؤلك فتلاشت ابتسامتك المعهودة. تهشم سقفُ قوقعك فتساقط وأصابتك الصدمات بإصاباتٍ بليغة. صرتَ كمن سبقوك وعِبتَهم قبلًا بكآبتهم، الآن بت تدرك أن سفينةَ نوح قد رحلت وأنّك قد نُسيت وحدك علي أرضٍ يهددها الطوفانُ. سترسو هي على جُوديّها ولن يعصمك جبلُك المتآكل. هاهو الطوفان وها أنت تلاقيه ماشيًا وهو يأتيك مهرولًا. والآن أخبرني، أين المفر؟ فقد عجزتُ عن إيجاد طريقه!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.