أمّا دول الخليج – إذا استثنينا بعض الإضاءات في قطر- فهي ما زالت تفكّر وتدير سياستها ومواقفها كما كانت تفعل منذ خمسين سنّة، مع عقدة خوف أزليّة من إيران العدو- ولها الحقّ أن تخاف- ولكنّه خوف مبالغ فيه يدفع إليه أصحاب مصانع الأسلحة والامتيازات بحيث تصرف السياسات والطاقات الهائلة في هذا الاتجاه مع إهمال إيجاد استراتيجيات مستقبلية تغيّر الواقع وترسّخ الاستقرار من خلال إصلاحات حقيقية في كلّ المجالات، حيث اختارت هذه الدول الطريق الأسهل، وهو الاعتماد على القوى العظمى والسير في ركابها وقبول فهمها وتفسيرها بل وحتى معالجتها وحلولها للأمور، وخصوصاً فيما يتعلّق بمحاربة الإرهاب، بحيث يصير كلّ مخالف لسياساتها داعماً للإرهاب.
كان النموذج التركي وهو الجار المسلم الذي قفز قفزة نوعيّة على المستوى الاقتصادي والعلمي وإدارة الدولة ودخل الفرد. وكان نموذج قطر الذي لا يستطيع أحد أن ينكر التفوّق الإعلامي المميّز المتمثل بقناة (الجزيرة). |
أمّا دول الربيع العربي التي ما زالت نارها مشتعلة (سورية واليمن وليبيا) فقد صارت مسرحاً لصراع دولي و مطمعاً لمن هبّ ودبّ من الدول التي تبحث عن غنائم لها وسط الدمار والخراب، بينما يقتّل أهلها ويشرّدون تحت كلّ المسميّات، وتكاد تضيع دماء ملايين الشهداء التي زهقت للخلاص من الطغاة والجبابرة هباء منثوراً.
أمّا العراق فقد تسلمتها إيران غنيمة باردة محققة أحلامها الطائفية القديمة، وهي تسعى لأن تمدّ ذراعها أكثر باتجاه البحر المتوسط، لتشمل جزءاً من سوريّة بعد أن ضمنت الجزء الأكبر من لبنان. وأمّا الأردن فهو يريد سلته من غير عنب ويسعى لتأمين ما يطعم به أهله مع شح الموارد وضعف الاقتصاد. أمّا فلسطين ويا حسرتاه على فلسطين، فقد بدا وكأنّها محيت من قاموس الواقع العربي، وكأنّه ليس هناك قضية بلد عربي محتل يكاد يفقد هويته وتاريخه بعد أن فقد أرضه، فالجميع مشغول بهمومه وآلامه، بينما تُرك أهل غزّة يعانون حصاراً ما زال مفروضاً عليهم منذ زمن طويل، وأطرف ما في الأمر أنّه حتى أولئك الذين كانون يتاجرون بقضيّة فلسطين كحزب الله ونظام الأسد وإيران كسدت تجارتهم وخبت نارها.
في هذا الواقع المزري الذي فرض على المشهد العربي نموذجين، ذلك النموذج الذي ما زال يهيمن على الساحة العربية منذ خمسين عاماً بعجره وبجره، مقابل نموذج داعش والقاعدة الذي وجد الظروف المناسبة في ظلّ ثورات الربيع العربي ليقدّم النموذج الدموي الذي أظهر تلك النماذج ناعمة وليّنة أمام فظائعه، فقدّم بديلاً كارثياً جعل النّاس ترضى بالواقع، بل تستحسنه على ما هو عليه هروباً منه.
في ظلّ هذا المشهد البائس استطاعت بعض النماذج أن تحقق تفوقاً ظاهراً في عدد من المجالات، تختلف من نموذج لآخر، ولا يعني هذا أنّها من غير أخطاء، فكان النموذج التركي وهو الجار المسلم الذي قفز قفزة نوعيّة على المستوى الاقتصادي والعلمي وإدارة الدولة ودخل الفرد. وكان نموذج قطر الذي لا يستطيع أحد أن ينكر التفوّق الإعلامي المميّز المتمثل بقناة (الجزيرة) بالإضافة إلى ارتفاع مستوى التعليم الذي صنف بمعايير الجودة العالمية الثاني على العالم بالإضافة إلى مستوى الرفاهية ودخل الفرد توّج ذلك بمواقف مشرّفة من قضية فلسطين وقضايا الربيع العربي.
أمّا دول الربيع العربي التي ما زالت نارها مشتعلة (سورية واليمن وليبيا) فقد صارت مسرحاً لصراع دولي و مطمعاً لمن هبّ ودبّ. |
كما استطاع نموذج حماس في إدارة غزّة أن يقدّم نموذجاً متوازناً رغم كل الظروف، حيث أدار مشهدها وقت الهدوء ووقت الحرب بأسلوب متوازن أثبت أنّها نموذج يقتدى به في مقاومة للمشروع الصهيوني بعيداً عن المزاودات والعنترية.
هذه النماذج الثلاثة يجمعها قاسم مشترك، هو أنّها تمثّل نموذجاً للإسلام السياسي- سواء بالفعل أو بالدعم والتأييد- فهل بات الإسلام السياسي الناجح يمثّل خطراً على الغرب والأنظمة التي تسير في ركابه إلى هذه الدرجة؟؟ وهل يرضى الفاشلون والمخفقون بنماذج ناجحة تظهر عوراتهم وتبين حقيقة تخبطهم وإخفاقهم؟! قال تعالى: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) سورة النساء.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.