شعار قسم مدونات

شهر رمضان الذى لا نعرفه

blogs صلاة

شهر رمضان الذي نعرفه هو ذاك الشهر الذي لو كان حجراً لسميته هُبل من شدة سقمه وثقله على المجتمع، عبئ مادي على عائلي الأسر، يبدؤون الادخار له قبل هلاله بثلاثة أشهر أو ربما أكثر، وربح لشياطين الإنس الذين يتغذون على مص الروحانيات من البشر، فيعدون أنفسهم على مدار عام كامل لينطلقوا في أول أيام رمضان بعرض أولى حلقات مسلسلاتهم وبرامجهم وفوازيرهم ومقالبهم!،وعلة لمن يشتهون الشجار والاعتراك والاشتباك مع البشر، فما هذا الكم من القبح التي أصبحت تحمله طقوس شهر رمضان في معتقدات مجتمعنا؟!

 

كل عام كنت أمنع نفسى عن التعليق على طقوسه أملاً في أن يتغير الوضع البائس في العام القادم ولكن يبدو أن لا تغيير سوى بالمواجهة والنقد وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل هذا الغيم الملعون. هذه العادات السيئة التي اقتحمت شهرنا المبارك وأخرجته من إطاره الصحيح وجعلت منه فرصةً جيدة لدى البعض للسمر الليلى وأخرى لدى أخرين للتكاسل عن العمل بحجة الصيام، وأخرى لدى أخرين لضياع الوقت من عمرهم، ما أنزل الله بها من سلطان، وما كان لها من عرفان، وإنما هي عادات دخيلة علينا، أفسدت عقيدتنا، وكدرت صفو حياتنا، وأظلمت طريقنا، فتباً لمن أضاء إلهه طريقه وأظلمه شيطانه!

قد علمك الله في رمضان كيف تشعر بالبشر من حولك وتسعى لمساعدتهم، وتسارع في تخفيف اَلامهم فتوفر من قوتك وتعطى لهم، انظر كيف يصنع منك الله إنساناً رفيعاً في أخلاقه ورشداً في سلوكه

أما عن شهر رمضان الذى لا نعرفه فهو ركن من أركان الاسلام، وحينما علله ذو الجلال والإكرام في القرآن الكريم قال (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والتقوى هي أن تتقرب إلى الله، فأصل الدين هنا هو الارتقاء بنفسك داخل الإطار الديني الذى حدده لك الله في هذا الباب (التقوى إلى الله بصيامك) وهنا يكمن خلل إدراكي عضال في الإفطان بتعاليم الدين مما يجعل المرء يقوم بممارسة أفعال وطقوس من دون أن يعلم تتناقض تماماً مع جوهر الفرض الإلهي في هذه الحالة الذى هو وببساطة شديدة أن تصوم لمدة شهر عن الشهوات وتناول اللذات وتعوضهم بالتقرب إلى الله.

 

وتكون قد شعرت في خلال هذا الشهر بما يعانيه الفقراء والمساكين على مدار العام وبالطبع في نهايته تكون وفرت مبلغاً من المال لا بأس به نتيجة عدم إنفاقك على شهواتك في هذا الشهر كباقي شهور العام فتذهب وتعطى ما وفرته للفقراء والمساكين، وبهذا يكون منحك الله سبحانه تعالى فرصة عظيمة لقهر النفس وتهذيبها وضبطها وتمرين إرادة قوى على التحكم بالشهوات والتوقف عنها حينما أردت، والارتقاء بمستوى أخلاقك على الجانب الإنساني.

 

فبهذه الطريقة قد علمك الله كيف تشعر بالبشر من حولك وتسعى لمساعدتهم، وتسارع في تخفيف اَلامهم فتوفر من قوتك وتعطى لهم، انظر كيف يصنع منك الله إنساناً رفيعاً في أخلاقه ورشداً في سلوكه، وكيف يحاول أن يصنع منك أصحاب الأفكار السامة كائناً لا يختلف كثيراً عن الحيوانات في أفعاله وسلوكه، لا يشعر بأحداً، يدهس أقرب الأقربين إليه مقابل توفير وجبة غذاء، ويلهث وراء شهواته (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)،وبعد أن قارنت الأن بنفسك بين ما يريده الله لك وما يريده الغاويين لك عليك أن تختار بأي أرض تكون.

مجتمعنا العربي سقط في وحل التوهان بين الطقوس والعادات الاجتماعية وبين المفاهيم الدينية بصحيحها فعجز عن رسم منحنى الحياة بداخله وافتقد أدوات السيطرة على الأمور

هذه الثقافة المذكورة أعلاه لا يمكن أن تنتشر في مجتمع به أم تقف من الصباح إلى المساء في نهار رمضان تُعد في مائدة إفطار فاحشة استعداداً لأذان المغرب وكأن هذه هي أخر مرة سيتناول فيها أهل بيتها الطعام؛ ولا مجتمع به أب عائل أسرة يسئ استخدام موارده ثم يعود ويشكو تعثر حاله المعيشي، ولا مجتمع به داعية إسلامي يبتعد تماماً عن جوهر الصيام ويكتفي فقط بالحديث عن الشروط والضوابط والأجر إذا صح الصيام والعقاب للمخالف، ولا مجتمع يقوده إعلام يتبنى أفكار نقيضة لتعاليم وأسس العقيدة، فصيام رمضان ليس معناه اعتزال الحياة، وإنما معناه التعلُم كيف تكون الحياة.

مجتمعنا العربي سقط في وحل التوهان بين الطقوس والعادات الاجتماعية وبين المفاهيم الدينية بصحيحها فعجز عن رسم منحنى الحياة بداخله وافتقد أدوات السيطرة على الأمور، فعلى الجميع أن يعود مرة أخرى إلى المرجعية الثابتة والصحيحة للدين وفرضها على الأرض عوضاً عن العادات والتقاليد والطقوس وكل هذه الثقافات الدخيلة على مجتمعنا، لضمان عودة الحياة المنهجية مرة أخرى.