شعار قسم مدونات

عدنان إبراهيم كما أراه

blogs عدنان ابراهيم
مما ابتُلي به واقعنا وسهّلت مهمّته وسائل التواصل على اختلافها والتي أصبحت منبر من لا منبر له، هو التسرّع بل والتباهي بإطلاق الأحكام من غير علم ولا تأسيس عقلاني، إمّا أن تكون أحكاما انفعاليّة متهورة منبعها نقص الدراية بعمق الطرح وأهدافه، أو تجنّبا للحياد وخشيةً على هيبةٍ ثقافيةٍ مزعومة من مغبّة الصمت.
فتجد منهم من عرف بوجود من يسمّى عدنان إبراهيم صدفةً من نقاشٍ دار أمامه، وآخر لم تتجاوز متابعته له بضعة مقاطع تم اجتزاؤها وتركيبها من عدة خطب، ومقاطع أخرى خُصِّصت للتهجّم عليه بما يناسب رؤية المنفِّذ وهدفه.. حتما ستبدو صورته العلميّة ألمع وأبهى لو صبّ اتهاماته وصوّب ظنونه تجاه هذا المهرطق، وكشف الحجاب عن مؤمراته وأهدافه بعيدة المدى لهؤلاء المساكين المخدوعين! فقد نهل ما يرويه من تعليقات وشكوك حول مثير الجدل هذا، ولا حاجة له بمعرفة ما يقول وكيف يفكّر أصلا، وسيدلو بدلوه ويبث اكتشافه كلما أتيحت له فرصة لفعل ذلك.

يقول سراج الدين البلقيني: "لكن الانتهاض من أجل الاعتراض من جملة الأمراض" وهذا توصيف لحال نسبة لا يُستهان بها منّا، من يعترضون لمجرد الاعتراض وتسجيل المواقف.. يقدّمون شكوكهم على اليقين، وزلات اللسان على القصد، والنادر على العام الغالب، بينما الإنصاف في الحكم على فكر ما يتطلّب التجرّد والعلم والنظرة الشموليّة، والأهمّ تزكية النفوس من أمراضها وسمومها، فالنقد لا يكون إلّا لله ولإظهار الحقّ الذي يريده الله، لا مجرد التشفّي وإظهار النقائص، وتحقيق مكاسب موهومة يزيّنها الترفّع والغرور.

مدونتي هذه ليست تلميعا لصورة د.عدنان ولا بقصد إقناع من رأى سبيل الحقّ لدى غيره، وإنمّا انتقادا لكل من يلقي بكلماته قبل أن يزن صوابها، ولمحاولة البعض ممارسة دور الوصاية الفكرية على الآخرين والتخويف من متابعته ومحاولة إظهاره بمظهر المتلوّن صاحب النوايا الخبيثة.

في كلّ خطبة له، أجدني أمام شخص موسوعيّ وعقليّة فذّة، يحترم وجودك ويفكّر أمامك ومعك، يتقبّل النقاش في كل ما يرد لخاطرك دون أن يزجرك أو ينهاك أو يطلعك- كما يفعل غيره – على ما انتهى إليه عقله وعلمه ووجب عليك السمع والطاعة دون نقاش، في خطبة واحدة يجمع بين علوم الدين والطبيعة، بين أقوال علماء المسلمين وأفذاذ الملاحدة، ويأخذك من الفلسفة إلى عالم التصوّف، لم يسطّح ديننا ولم يشغله الوعظ عن الحديث في عمق أزماتنا، ولم يلاحق من خالفوه بالذمّ والتكفير كما فُعل معه، يدعو للتعايش بين المذاهب وأقصى ما يريد حقن دماء المسلمين والبشر جميعا، ومن ثم توّقف يائسا من تغيير الحال وتقريب وجهات النظر بين السنة والشيعة، نبش أخطاء تاريخيّة للمسلمين آملا أن لا تُعاد الكرّة، وردّ شُبهات كثيرة رُمي بها الإسلام بتعقّلٍ وحكمة، ولا أنسى سلسلته المشرّفة مطرقة البرهان وزجاج الإلحاد بما فيها من إجادة وإحسان، مثل هذا: لماذا ينفّر منه بهذه الحدّة والشراسة؟

يقول بيل غيتس: "الناس يخشون دائما التغيير، خشي الناس الكهرباء عندما اختُرعت في ذلك الوقت، ألم يفعلوا ذلك؟ وخشي الناس الفحم، سيكون هناك دائما جهل، والجهل يؤدي إلى الخوف، ولكن مع مرور الوقت سوف يقبل الناس حكم وحشهم السيليكونيّ" الحاصل أنّ د. عدنان هو بمثابة هذا التغيير، نجح- وغيره القليل- في التفلّت من النسق الكهنوتيّ الإسلاميّ وخرج عن السائد، ولا يُتوقع من هذا الكهنوت الراسخ والمتوارث سنوات طوال أن يقف مكتوف الأيدي أمام ما يجري، لا بدّ من التصدّي لمحاولاته التجديديّة وتحرير العوام المضلَّلين من سحره، ونسف هذا الشخص بأفكاره جملةً وتفصيلا، يرون في خطابه هدما لثوابت الدين وتشكيكا للواثقين، لكنّ الحقيقة أنّه لم يأت بدين جديد بل بفهم جديد لديننا الأول.

والمتتبّع لهذا الصد والرد يجد أنّ شخص الدكتور يقدح به أضعاف ما يتم نقد فكره، فتارةً لا يُعجبهم لباسه وبزاته الأنيقة وكأنّ العباءة فوق الكعبين والعمامة هي صك السماح للحديث في الدين، وأخرى صوته وأسلوب خطابه، يُقال إنّ أداءه المسرحيّ وحركاته ليست إلّا لإقناع هؤلاء العوام ولتمرير أفكار عدنانيّة بعلوّ صوته ما أخطرها! والحقيقة أنّ الدكتور له محاضرات كاملة وأكثر من سلسلة بالصوت دون الصورة ومشاهداتها لا تقلّ عن أخواتها، وأنّ الخطابة مما يُحسب له لا عليه في زمان يشهد غياب شبه تام لخطباء مفوّهين، وأنّ خلافك أصلا ينبغي أن يكون مع أفكاره لا مع حركات يديه!

فكرة "العدنانيين" رفضها عدنان إبراهيم نفسه ويرفضها كل عاقل، بل هي تخالف جوهر خطابه وكل ما حاول قوله منذ سنوات من تفعيل العقل ومحاكمة الطرح والمراجعة والتدقيق لا مجرد التلقّي والتخزين، من هنا لا أجد معنى لمعاملة كل من اقتنع برأي له ودافع عنه، أو وجد الحقّ عنده في مسألة ما على أنه مضلَّل متبِّع أو مردِّد دون عقل، هي مشكلة في تقييمك وقدرتك على تقبّل المخالف لا أكثر.

الأسلم لنا أن نعي ما نقول، ونتّفق ونخالف انتصارا لدين الله وللحقّ كما أفتتنا به قلوبنا وسكنت إليه نفوسنا وجزمت به عقولنا.. نبحث عن ضالّتنا متجردين من الغرور بالنفس والاغترار بالغير، فلا نضفي هالة التقديس على بشر ولا ننزع قدْره.

د.عدنان أخطأ في أكثر من مناسبة وسيخطئ، أختلف معه في عدة مسائل منها بعض مواقفه السياسية غير المفهومة والمتسرعة أحيانا وتعريفه للدولة المدنيّة والخيار الديموقراطي.. له زلات لا تُقبل كموضوع كراماته، وأراه أحيانا ينتصر لفهمه بشدة ويتعصب لقوله، لكن من هذا الذي لا يُخطئ؟ ومتى ألزم متابعيه بالأخذ بكل ما يرى صوابه؟ وما فائدة عقلك إن لم يجعلك تميّز غثّه من سمينه؟

مدونتي هذه ليست تلميعا لصورة د.عدنان ولا بقصد إقناع من رأى سبيل الحقّ لدى غيره، وإنمّا انتقادا لكل من يلقي بكلماته قبل أن يزن صوابها، ولمحاولة البعض ممارسة دور الوصاية الفكرية على الآخرين والتخويف من متابعته ومحاولة إظهاره بمظهر المتلوّن صاحب النوايا الخبيثة، فبعد سماع محاضرة دسمة للدكتور فيها من الإبداع ما فيها، بدأت بقراءة التعليقات عليها، علّني أجد نقدا حقيقيّا أو تقييما منصفا أبدأ منه التحقق من بعض ما أثار تساؤلي، التعليقات كثيرة وجميعها بلا فائدة، من شتمه إلى تخوينه إلى زندقته، إلى آخرين أكثر حكمة يخشون وقوعنا في الضلالة ويحذرون من الاستماع لها أصلا!

الأسلم لنا أن نعي ما نقول، ونتّفق ونخالف انتصارا لدين الله وللحقّ كما أفتتنا به قلوبنا وسكنت إليه نفوسنا وجزمت به عقولنا.. نبحث عن ضالّتنا متجردين من الغرور بالنفس والاغترار بالغير، فلا نضفي هالة التقديس على بشر ولا ننزع قدْره وننكر فضله إن ظهر منه ما يخالف الحقّ الذي وجدنا، راجين المولى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه، وإن لم نكن في المقام الأول من قول الإمام عليّ – كرم الله وجهه- فلا أنفع لنا من أن نتعلّم ونقرأ كي لا نجد أنفسنا في المقام الثالث: "الناسُ ثلاثة، عالمٌ ربّانيّ، ومُتعلّمٌ على طريقِ النجاة، وهمَجٌ رعاع أتباعُ كلّ ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنورِ العلم، ولم يركنوا إلى رُكنٍ وثيق".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.