اندلعت ثورات الربيع العربي في بعض دول المنطقة كنتاج طبيعي للحال الذي وصل إليه الواقع العربي لدرجة لا تحتمل، فكانت تنادي بالتغيير لذلك حاولت الأنظمة الدكتاتورية قمعها، ولكن كانت إرادة الشعوب أقوى من أن تقهر بتلك البساطة، مما حدا بتلك الحكومات للبحث عن وسائل أخرى للتعامل مع الوضع.
القاسم المشترك في هذه الأحداث هو شهودها لصعود التيارات الإسلامية برغم ممارسات القمع ومحاولات القهر التي حدثت لإبعادهم من المشهد السياسي قبل الثورة لسنين طويلة فلم تفلح تلك الإجراءات من إبعادهم والتقدم لقيادة أحلام شعوبهم المكلوبة على أمرها.
سارت الثورة في مسارها الطبيعي نحو التغيير ولكن الدولة العميقة لم ترضى بذلك فكادت لها المكائد لتخرجها عن مسارها الطبيعي وهي تقول سرا وتفعل علنا (إما نحن او الحريق) فتقسمت اليمن ما بين حرب لإعادة الشرعية وحماية الثورة وحرب بالوكالة ضد الثورة، سوريا أصبحت ميدان لأجهزة المخابرات الدولية وتصفية الحسابات السياسية وليبيا تقسمت ما بين الثوار والأشرار. تونس هي الأخرى لم تفلح في تحقيق التغيير الذي حلمت وغنت له الجماهير ولكنها استطاعت بحنكة أهلها من تجاوز الأزمة وقبولهم الحوار كوسيلة لحل المشكلات التي تحدق بالبلاد.
كررت الحكومة المصرية مراراً أن الحكومة السودانية تأوي معسكرات لإرهابيين وبعد الضربة الجوية لدرنة خرج السيسي للإعلام وقال أننا لن نتردد في ضرب أي معسكر يتم فيها تدريب إرهابيين في أي مكان |
نجحت الثورة المصرية من إزاحة رأس النظام القائم ولكنها لم تسطع أن تغير شيئا فارتدت إلى الأسوأ حيث بات العسكر يسيطرون على كل مفاصل الدولة، بل أصبحت الدولة تستثمر في كل القضايا من أجل إطالة عمرها رغم أنف الشعب المغلوب على أمره فلما فشلت الحلول التي قدمتها الحكومة أصبحت تستثمر في الإرهاب.
إن كلمة إرهاب مشتق من المصدر أرهب أي خوف وتعني باختصار التخويف هذا من ناحية اللغة، وتطلق اصطلاحا على أعمال العنف التي تقوم بها منظّمة أو أفراد أو حكومات بقصد الإخلال بأمن الدَّولة وتحقيق أهداف سياسيَّة أو خاصَّة أو محاولة قلب نظام الحكم.
عند إسقاط هذا الوضع على النظام المصري نجده يمارس ذلك بامتياز سواء على المستوى الداخلي للدولة المصرية أو خارج حدود أرض الكنانة، بعد قيام الثورة المصرية والإطاحة بالرئيس حسني مبارك قرر الشعب أن يقود عملية البناء الوطني من خلال انتخاب منظومة تستطيع أن تنتشل البلاد من وطأتها. صعد الإخوان المسلمون إلى سدة الحكم بقيادة الرئيس محمد مرسي بانتخاب مباشر من أغلبية الشعب المصري الذي ذاق الأمرين من العسكر لأكثر من 60 عاماً ممنيا نفسه الانتقال من دولة الظلم والقهر إلى رحاب الحرية والعدل والمساواة.
فزع النظام العسكري المصري من رؤية تجربة أردوغانية في مصر لذلك تحالفت مع معارضي الإخوان المسلمين من أجل القضاء عليهم وبما أن قوة الإخوان مستمدة من الشعب لم تسطع الثورة المضادة إسقاط كلمة الجماهير فلجأت للانقلاب بمباركة إقليمية وخزلان دولي بل يمكن وصفها بالدعم الدولي.
لم يكن في جعبة العسكر من برنامج سياسي أو اقتصادي أو أخلاقي حتى يساعده في حل المشكلات التي تراكمت على مدى سنين، حاول الشعب المصري حماية ثورته عن طريق رفض ومقاومة الانقلاب بشدة وبصورة سلمية، حاول الانقلابيون عقد صفقات سياسية لقبول الأمر الواقع مثلما كان يحدث في السابق ولكنهم اصطدموا بمنظومة لا تخون شعبها وأن زمن الصفقات السرية قد فات أوانه.
لجأ الإنقلابيون إلى أساليب قذرة لبسط سيطرتهم فأطلقوا أبواقهم الإعلامية لتشويه صورة من ينادون بالشرعية ووصفهم بأقذر الصفات وأنهم غير مؤهلين لقيادة المحروسة مصر، فلما فشلت كل تلك المحاولات مارسوا القتل والسجن والتنكيل بمعارضيهم فحدثت مجزرة رابعة تحت مرأى ومسمع العالم الذي غض الطرف بصورة أقل ما توصف بها أنها سياسة الكيل بمكيالين .
لم تنجح كل المحاولات التي اتخذها الانقلابيون في تشويه سمعة قوى الشعب فلجأت لوسائل خبيثة تتمثل في ممارسة الإرهاب بحجة مكافحة الإرهاب. كيف يكون الإخوان تنظيما إرهابيا وقد أنتخبه أغلبية الشعب المصري الذي تربى تحت حكم ووطأة العسكر ولو كان التنظيم إرهابيا بحق وحقيقة لتحولت مصر إلى برك من الدماء لأننا حينها سنشاهد الأغلبية تمارس العنف على الأقلية.
لو بحثنا عن المستفيد من الحوادث الإرهابية في مصر نجد أن المستفيد الوحيد هو النظام الإنقلابي وأكبر دليل على ذلك هو التحركات العسكرية والأمنية ضد خصوم النظام الإنقلابي بعد كل عملية ودونكم العملية التي نفذتها الحكومة المصرية في درنة مؤخرا فهي لم تكن لمحاربة الإرهاب بل لمساعدة قوات حفتر للسيطرة على المدينة بعدما عجز تماما رغم حصار المدينة لفترة طويلة جداً. قتل شباب سيناء بدم بارد والإعدامات الميدانية التي حدثت في ميدان رابعة والممارسات غير الانسانية وغير الأخلاقية التي تحدث في السجون لهو أكبر دليل على إرهاب نظام السيسي.
سئل وزير الخارجية السوداني مؤخرا أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره المصري في القاهرة عن أسباب فرض وتحديد عدد معين من التأشيرات للسودان أجاب باختصار ذلك لحماية بلدنا من الإرهاب |
كررت الحكومة المصرية مراراً أن الحكومة السودانية تأوي معسكرات لإرهابيين وبعد الضربة الجوية لدرنة خرج السيسي للإعلام وقال أننا لن نتردد في ضرب أي معسكر يتم فيها تدريب إرهابيين في أي مكان، أدرك النظام السوداني أن هناك شيء ما يتم طبخه سراً وعملية المنيا ما هو إلا محاولة لكسب الرأي العام العالمي وتصوير الوضع بأن المسيحيين يتعرضون لإرهاب المسلمين في المنطقة وأننا نحمي المسيحيين حتى لو كان ذلك خارج حدود مصر.
تعاملت الحكومة السودانية مع الأمر بذكاء يحسد عليه فقامت بنشر 90000 مقاتل على الحدود وذلك لشل أي حركة يمكن أن تتم داخل السودان وقدم اقتراح للحكومة المصرية بتشكيل قوات مشتركة لحماية الحدود أسوة بتلك التي بين السودان وأثيوبيا بغرض مكافحة الإرهاب مما وضع المخابرات المصرية في وضع محرج جدا إذ أنها لو وافقت هذا يعني القضاء على مصدر رزقها المتمثل في القضاء على الإرهاب الذي يستثمر فيه وإن رفضت يعني أنها غير جادة في مكافحة الإرهاب.
سئل وزير الخارجية السوداني مؤخرا أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره المصري في القاهرة عن أسباب فرض وتحديد عدد معين من التأشيرات للسودان أجاب باختصار ذلك لحماية بلدنا من الإرهاب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.