شعار قسم مدونات

عاش الملك.. مات الملك

blogs -اليابان و ترامب

قديماً قالت العرب: "ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ أنْ يَرَى، عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِهِ بُدُّ "، أما اليوم فأصبح نكد الدنيا كله يتلخص بمتابعة الخلافات والتمزّق بين الدول العربية والخليجية، ويا للمفارقة حين تصادف الأحداث وقتاً يرى فيه الإنسان العربي الحملات الديمقراطية المصاحبة للانتخابات في الغرب، وفيها تلاحق الكاميرات المرشحين وترصد كلماتهم وحركاتهم وحتى التزامهم بالـ (Dress code)، فيختار البريطانيون انتقاد زعيم حزب العمال جيرمي كوربين من باب أن ثيابه وأناقته دون المستوى المطلوب، وتتندّر صحيفة أخرى عليه بأنه اشتراكي يأكل رقائق البرينغلز.

 

في تلك الدول يطوف الزعماء المدن والبلدات ويقرعون أبواب الناخبين فيرفض بعضهم فتح الباب كما فُعل بتيريزا ماي مراراً، يخرجون إلى المناظرات الانتخابية على الهواء مباشرة ويتحمّلون لذاعة الصحفيين واحراجاتهم في استعراض وشفافية كاملة أملاً وطمعاً برضى الشعب والجمهور، بينما يصطف في بلادنا كل سياسيي ومحللي العالم للتكهن والتخمين كيف يا ترى يفكر الزعيم الفلاني؟ وتحت أي إلحاح مزاجي يتخذ قرارات الحصار والشيطنة لبلد شقيق؟

 

في بلادنا نكاد لا نتذكر صوت الكثير من الحكام والملوك والأمراء، فصحفنا ونشراتنا الرسمية يتم افتتاحها بأخبارهم وأقوالهم، لكنّ أيّها ينقل لنا كلمة أو خطاباً محكياً يوجهه هؤلاء إلى شعوبهم؟ أو تهنئة بعيد أو مناسبة وطنية؟! فكثير منهم لا يملك منطقاً بالكلام، وبالكاد تراه يقرأ عن ورق في إحدى القمم العربية بلغة ثقيلة ومزعجة للأذن، فيما بعضهم غائب عن الإعلام غياباً تاماً منذ أعوام لأسباب صحية، وآخر بثت وكالة الأنباء الرسمية آخر ظهور له عام 2015، وكثير من هذه الدول صارت رأس حربة في صراع عربي-عربي يمزّق الممزق ويُشمت الأعداء.

 

يغيّب الموت زعيماً هتفت له الشعوب "بالروح بالدم" دون أن يخبَروا شخصه أو منطقه، ويأتي آخر لن يخبروا شخصه ومنطقه فيهتفون "عاش الملك"، وبين عاش الملك ومات الملك آمال معلّقة نخاف من التصريح عنها تحت وطأة قوانين الجرائم الإلكترونية التي صارت تضم أيضا خطيئة التعاطف مع بلد شقيق..

 

الحملة الأخيرة على قطر كشفت الكثير من الحقائق التي كان من الصعب سابقاً إقناع الناس بها، فقد اتضح سريعاً أن أوباما على علاّته ليس مثل ترمب، وأن من يضع الغرب كله في سلة واحدة مخطئ

لستُ مفتونة بديمقراطية الغرب ولا أهوى عقد المقارنات معهم، لكنّ ما يستفز المشاعر أن الناس في أوروبا يتنفسون الصعداء منذ مطلع العام بعد كل استحقاق انتخابي يكشف فيه الجمهور انحيازاً نحو المعتدلين، ومقاومةً للثقب الأسود المتأهّب لابتلاع العالم الذي يسمّى بـ تأثير ترمب، فتختار هولندا حزباً ليبرالياً منافساً للمتطرف خيرت فيلدز الذي يرى ترمب قدوة ملهمة، وتُصدّر فرنسا رئيساً شاباً بحزب ناشئ ومعتدل، أما صاحبة نظرية "تمزيق مواثيق حقوق الإنسان" في سبيل مكافحة الإرهاب، تيريزا ماي، فتتلقى صفعة تاريخية بالانتخابات المبكرة، كل هذا يحدث بينما تُقام الأفراح في دولنا العربية احتفاءً بترمب، و يسابق الحكام العرب الزمن للاستقواء برعونته لتصفية حساباتهم مع جيرانهم، وقمع شعوبهم بفزاعة الارهاب، ولا بأس ببعض من التقارب العلني مع "إسرائيل" لنيل صك الرضى الذي يجدّد كل أربعة أعوام في واشنطن.

 

الحملة الأخيرة على قطر كشفت الكثير من الحقائق التي كان من الصعب سابقاً إقناع الناس بها، فقد اتضح سريعاً أن أوباما على علاّته ليس مثل ترمب، وأن من يضع الغرب كله في سلة واحدة مخطئ، ومن يستبشر بعلو اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وأوروبا لم يدرك التداعيات الكارثية لوصول أناس متطرفين وعنصريين للسلطة لا سيما على دولنا التي تتلبس دور التابع والمتأثر لا المبادر والصانع للأحداث.

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.