بما أننا في رمضان، والناس ( النساء خاصّة ) تشكو كثيرًا من "غسيل الصحون" أود أن أشارككم تجربتي في هذا المضمار، وهو أمرٌ غريبٌ بالنسبة للبعض أن يتحدث شاب مُتزوج عن "غسيل الصحون"، ولا أكتب ما سأكتب إلا لأني فخور بذلك، بل إن الكثير من المُدونات التي أنشرها على الملأ هي في الواقع من بركات غسيل الصحون أو "الجلي" كما نُسميه بلهجتنا، وهذه حكايتي باختصار:
بدأ الأمر في عام 2009، وصلت ألمانيا ووجدتُ نفسي أطهو وأتناول الطعام وحيدًا، وكان الجو كئيبًا جدًا ولا يُحتمل، فقُمت بشراء جهاز MP3 وبدأتُ بتنزيل الكثير من المحاضرات كي أشعر بشيءٌ من الأُنس وتبديد الشعور بالوحدة، ولم أكن أتخيّل أن الأمر سينعكس على كثيرٍ من تفاصيل حياتي، خاصّة أنني كُنت شديد الجهل بالتاريخ، ولم أجد أمامي إلا مُحاضرات د.راغب السرجاني، وبالفعل بدأت بسماع (تاريخ التتار) و (تاريخ الأندلس) ومحاضرات أخرى كثيره لا أذكرها الآن!
استمتعتُ بالأمر واستمر معي حتى خلال أيام الدراسة وفي أصعب فترة امتحانات عشتها، حيث كُنت أخصص ساعتين يوميًا للطبخ وتناول الطعام وكُنت بحاجة للخروج من روتين الجامعة ومُحاضرات الهندسة والحسابات المعقدة، وكانت تلك فرصة مميزة لسماع مُحاضرات في تاريخ فلسطين وقد تعلمت الكثير الكثير حتى أني كُنت أقوم بتسجيل كل الملاحظات بعد الانتهاء من الطعام وكان الأمر ممتعًا جدًا، والأهم أنه كان مُفيدًا، وكانت تلك فاتحة خير جديدة لي مع تاريخ بلادي الذي لم أكن أعرف عنه إلا أقل القليل.
في بعض الأحيان كُنت أستمع لقبسات فكريّة دسمة كأفكار د.عبدالوهاب المسيري والشيخ محمد الغزالي أو حتى الاستماع لأجزاء كاملة من كُتب ككتاب رحلات ابن بطوطة وابن فضلان وكانت رائعة وتأخذ السامع إلى عوالم أخرى بعيدة عن المطبخ |
حتى بعد زواجي، ومع أن المشاغل أكثر، فإنني لا زلت مُستمر، وقد سمعت خلال أوقات "الجلي" منذ أن تزوجت وحتى الآن مجموعة كبيرة من المحاضرات التي لا أجد وقتًا للتركيز فيها خلال انشغالاتي اليومية، بيد أن وقت "الجلي" الذي قد يتراوح بين 20 دقيقة إلى ساعة في أكثر الأحيان، هو فرصة عظيمة لسماع مُحاضرات قصيرة والقصص المُسليّة بل وحتى القبسات الفكريّة التي وجدتني أركزّ فيها أعظم تركيز، بالأخص لأن عملية "الجلي" لا تستهلك أي طاقة فكريّة، بعد أن نُسكت أصوات "الصحون" المزعجة بواسطة سماعات الأذن "الهيدفونز"، والتي بدونها تبدو الفكرة عبثيّة!
قد يظنني البعض أبالغ، ولكن التجربة خير دليل، ولن أذكر بالطبع كُل ما سمعت وسأكتفي بذكر أهمها، كسلسلة السيرة النبويّة "الربيع الأول" للأستاذ وضاح خنفر التي تقدّم نظرة جديدة في تناول السيرة والأهم أن كُل حلقة تستغرق حوالي 15 دقيقة فقط، ولمن يعشق القدس وحكاياتها فإن "حكايا مقدسيّة" للدكتور عبدالله معروف ممتازة جدًا خاصّة أن كُل حكاية لا تستغرق أكثر من 8 دقائق وهي كما يُقال "خفيفة لطيفة".
لم ينحصر الأمر هنا، ففي بعض الأحيان كُنت أستمع لقبسات فكريّة دسمة كأفكار د.عبدالوهاب المسيري والشيخ محمد الغزالي أو حتى الاستماع لأجزاء كاملة من كُتب ككتاب رحلات ابن بطوطة وابن فضلان وكانت رائعة وتأخذ السامع إلى عوالم أخرى بعيدة عن المطبخ، كما أنني أستمع أحيانا لحكايات ألف ليلة وليلة التي كانت تُبث قبل حوالي 30 عامًا على الإذاعة المصريّة وهي ممتعة جدًا وتجعلني أتمنى لو يطول الوقت أكثر أحيانًا.. ولا أنسى قناتي المُفضلة وهي رُواة وهي برأيي أفضل مشروع عربي للإبداع الصوتي ولديهم محتوى "فخم" جدًا جدًا والآن لديهم مسلسلات مميزة مثل مُدن الأئمة ومسلسل أمّة الصحراء وهو عمل بديع يستحق الثناء والمتابعة بلا أدنى شك !
وكل هذا من بركات "الجلي" والحمد لله !
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.