شعار قسم مدونات

أما نحن.. فاخترنا قطر

blogs قطر و فلسطين
علينا أن نطرح بداية قبل أن نشرع في الخوض في موضوعنا، جملة من الأسئلة سنحاول الإجابة عنها.. السؤال الأول والأهم لماذا تستهدف قطر تحديدا، السؤال الثاني ما السر في اختيار هذا التوقيت، أما السؤال الثالث فيتعلق بمآل هذا الحصار وبالسبل التي يمكن لقطر أن تسلكها لاجتياز هذه المرحلة والخروج منها منتصرة..
للسؤال الأول أجوبة عديدة طالما أن أسباب حصار قطر ومحاولة إضعافها كثيرة بدورها، فقطر هي الدولة الوحيدة تقريبا التي لم تخذل الشعوب الثائرة واتخذت موقفا إيجابيا من الثورات العربية منذ كانت في المهد في سيدي بوزيد تحديدا.. لم تنتظر قطر نتائج الثورات واقتراب حسمها لمصلحة المحكوم أو الحاكم لتحدد موقفها، انحازت مباشرة إلى الشعوب المغلوبة، ما اثار سخط المحور الذي يحاصرها اليوم خاصة وان الدول المكونة له كاد يدركها المد الثوري لو لا التدخل الجائر لقواتها الامنية كما كان الحال في البحرين وفي مدينة القطيف السعودية..

لقد خالفت قطر بموقفها عقيدة من عقائد السعودية التي لطالما تجندت للدفاع عنها مفادها تحريم الخروج على الحاكم، وإن كسر ظهور رعيته وسلب أرزاقهم، لتساهم بذلك في بث الوعي الثوري الذي كان ينقص الشعوب العربية وكذلك في تعديل الأوتار الفكرية للعديد من الجماعات التي كانت ترى في الخروج على الحاكم خطرا ودمارا وجب اجتنابه.
 

 قطر ساهمت بعتادها في حرب اليمن منتصرة للحلف السعودي ودعمت المعارضة السورية التي تواجه إيران في سوريا.. فالقول بأن إيران هي السبب هو افتراء يراد به استمالة العطف الأمريكي مع التعويل على غباء ترمب وتهوره.

من جانب آخر، فلا شك أن قطر تدفع اليوم ضريبة نصرتها للمقاومة الفلسطينية التي وجدت نفسها مشتتة بعد الثورة السورية، فلم تجد إلا في قطر ملاذا آمنا، يقيها خطر العدو الصهيوني الذي ما انفك يلاحق قيادات حماس بتآمر مع دول بعضها اليوم يعادي قطر، الواهمون وحدهم من يتصورون أن إسرائيل ستغفر لقطر احتواءها لحماس، وأنها لن تجند أتباعها في المنطقة لضرب قطر واستنزافها.. فحماس دون شك هي العدو الأول لإسرائيل بل العدو الأشد.

علينا أن نعلم أن القضية الفلسطينية ليست بمعزل عما يحصل اليوم في الخليج، فكل الدول التي احتوت المقاومة الفلسطينية سابقا تعرضت للضغوط والتهديدات من أجل فك الارتباط بالقضية الأعدل في عصرنا.

أضف إلى هذا، توجد مسألة غاية من الأهمية تدفع بالسعودية على وجه الخصوص إلى معاداة قطر واستهدافها، فالسعودية ما انفكت تحاول أن تحتكر الدين الإسلامي، وأن تقضي على كل الخطابات الدينية التي لا تتوافق مع مذهبها، لتكون وحدها ممثلا للإسلام، ولهذا ساهمت في إسقاط الإخوان المسلمين في مصر وتحاول اليوم إبادتهم بالضغط على قطر من أجل طردهم من أراضيها، لن تقبل السعودية مطلقا بخطاب إسلامي ما انفك يتطور ويتعقلن مواكبا عصره متجاوزا عقائد ومسلمات كثيرة بعضها ترتكز عليها الدولة السعودية وتستمد منها شرعية وجود نظامها الحاكم.

هذه أبرز الأسباب التي أدت إلى فرض حصار ديبلوماسي جائر على قطر، وغيرها من الأسباب المصرح بها لا تعدو أن تكون مجرد أوهام، ففيما يتعلق بالعلاقة مع إيران لا يخفى على أحد أهمية المبادلات التجارية الإمارتية الإيرانية، كما أن قطر ساهمت بعتادها في حرب اليمن منتصرة للحلف السعودي ودعمت المعارضة السورية التي تواجه إيران في سوريا.. فالقول بأن إيران هي السبب هو افتراء يراد به استمالة العطف الأمريكي مع التعويل على غباء ترمب وتهوره، بالإضافة إلى حشد دعم الدول السنية التي ترى في إيران الشيطان الأكبر في المنطقة، أما فيما يتعلق بتمويل الإرهاب ودعمه فالجميع يعلم أن السعودية هي من تورطت في تمويل الإرهاب وإنتاجه، وقد شهد بذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل رحيله عن البيت الأبيض.

قطر مقبلة على مرحلة صعبة وهذا أمر حتمي خاصة بعد اختيار العديد من الدول لمعسكر السعودية وملكها سلمان.. ولكن قطر لن تكون أبدا وحيدة، فالشعوب العربية لن تنسى مطلقا الدعم القطري ولن تتنكر ليد طالما مدت إليها.

السؤال الثاني، لماذا تستهدف قطر الآن بالذات؟ ما من شك ان زيارة ترمب للرياض كانت هي الفيصل ولكن ليس هذا فحسب، إذ توجد أحداث أخرى على قدر من الأهمية ساهمت في إيقاد لهيب الحصار من بينها محاولة حماس لتغيير منهجها وعزمها الدخول في مرحلة جديدة رسمت ملامحها عبر وثيقة المبادئ والسياسات العامة والتي قبلت فيها بدولة فلسطينية على حدود 1967 أدى بدوره إلى تسريع المحور السعودي بتضييق الخناق على قطر التي كان لها مساهمة كبرى في تغيير منهج حماس، وما قد يتولد عنه من اعتراف دولي بالحركة، وربما حلولها محل منظمة التحرير الفلسطينية في المستقبل، ناهيك عن الطفرة الاقتصادية التي تعيشها قطر واستعدادها لتنظيم الحدث الرياضي الأبرز في العالم، ما قد يجعل منها في المستقبل الدولة الأكبر في الخليج لتنافس بذلك المملكة السعودية التي تعاني أزمة اقتصادية خاصة بعد تواصل انهيار أسعار براميل النفط واستمرار الولايات المتحدة الأمريكية في اعتماد سياسة الابتزاز تجاهها، ما كلفها مؤخرا أكثر من 450 مليار دولار.
 
أخيرا يبقى السؤال حول السبل التي يمكن لقطر أن تسلكها لتجنب ما هو أسوأ.. كان متوقعا أن قطر لن تقبل بالشروط السعودية الثقيلة التي أبلغتها السعودية للشيخ صباح الأحمد الصباح، وهي شروط تمس من سيادتها أيما مساس، ولكن على قطر أيضا أن تفكر في بديل يجنبها شر المحور المعادي دون أن تخسر أحد أبرز حلفائها وهي تركيا، فتغيير الموقف من الأزمة السورية مثلا قد يؤدي إلى استمالة الطرف الإيراني الذي أبدى تعاطفا ضمنيا مع قطر، ولكنه قد لا يرضي الطرف التركي، وبالتالي فما على قطر إلا اعتماد سياسة مرنة تجاه جميع الأطراف تغيب عنها العدائية، على قطر أن ترضى بدور أقل أهمية من دورها المعتاد في المنطقة –ولو مؤقتا- حتى تتجاوز هذا الظرف الصعب بأقل الخسائر، عليها أن تضحي بشيء من اندفاعها..

قطر مقبلة على مرحلة صعبة وهذا أمر حتمي خاصة بعد اختيار العديد من الدول لمعسكر السعودية وملكها سلمان.. ولكن قطر لن تكون أبدا وحيدة، فالشعوب العربية لن تنسى مطلقا الدعم القطري ولن تتنكر ليد طالما مدت إليها. نعم نحن اخترنا قطر وتميم.. وكلنا أمل أن يروي أرضها قريبا قطر السلام والأمان..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.