شعار قسم مدونات

رسالة شعبان بين يدي رمضان

blogs - moon
لعل الكثيرين منا لا يعلمون أن الحديث الوحيد الذي حسَّنَهُ بعض أهل العلم في فضل ليلة النصف من شعبان هو قوله صلى الله عليه وسلم : ((يطَّلِعُ اللهُ إلى جميعِ خلقِه ليلةَ النِّصفِ من شعبانَ، فيَغفِرُ لجميع خلْقِه إلا لمشركٍ، أو مُشاحِنٍ)).


فلم يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن نَخُصَّ هذه الليلة بالقيام، ولا أن نَخُصَّ نهارها بالصيام، بل أمرنا أن نتسامح فيما بيننا، وأن نتذكر عهد الأخوة الذي يجمعنا، ولعل ذكره للصنف الثاني – أهل الشرك – لم يكن إلا تأكيداً لهذا المعنى.
 

يبدو الحديث بادئ الأمر ليِّناً مستساغاً سهل التطبيق وداخلاً في جملة أحاديث الكرم الإلهي، لكن الواقع يقول غير ذلك. ليس سهلاً أن تخبر فلاناً من الناس – وأنتما ما زلتما أصدقاء – أنك أخطأت بحقه في ذلك اليوم أو ذلك الموقف وتطلب منه المسامحة على ذلك (صارح نفسك كم مرة فعلتها لتدرك صعوبتها).
 

لكن الأصعب منها وربما بأشواط أن تتصل بصديقك السابق والذي نشب بينك وبينه خلاف ما كان من نتائجه أن تنقطع العلاقة ببنكما أياماً وشهوراً وربما سنوات وأنتما ما زلتما على هذه القطيعة، فتخبره أنك تريد أن تفتح صفحة جديدة – بغض النظر إن كان الحق معك أو عليك – وأن تُعَنْوِنَ هذه الصفحة بالمسامحة، فأعتقد أن هذا ما لا يقدر عليه كل أحد.
 

ليس سهلاً أن تخبر فلاناً من الناس – وأنتما ما زلتما أصدقاء – أنك أخطأت بحقه في ذلك اليوم أو ذلك الموقف وتطلب منه المسامحة على ذلك (صارح نفسك كم مرة فعلتها لتدرك صعوبتها).

إذن: في كلا الأمرين مشقة، ولكن الأجر على قدر المشقة كما هو معروف، ولاسيما أن الكثيرين يتخذون من هذا الحديث سلماً يصعدون به إلى أعلى مستويات التناقض، في لوحةٍ سُرياليةٍ مضحكةٍ مبكيةٍ بآن. فترى أحدهم يسارع في الإنكار على إخوانه الذين يخُصّون هذه الليلة ببعض الطاعات والعبادات وهم لا يعلمون أصلاً أن الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب تتراوح بين الموضوع والمكذوب والضعيف على أحسن الأحوال.
 

بل حتى ولو افترضنا أنهم يعلمون ذلك، فهل هذا مبرر لأن تتعالى أصواتنا على بعضنا، وأن نكيل لبعضنا الاتهامات بالتبديع والتفسيق والضلال و… و…، ثم يذهب كل منا في طريق ليكون أول المتضررين من ذلك هو المنكر نفسه والذي أصبح لتوه مشاحناً وخارجاً من دائرة المغفرة التي يدعو الناس إليها.

 

كما نعلم فإن الجاهل معذور بجهله، وكثير من هؤلاء هم أهل فضل وصلاح، وما حَمَلَهُم على فِعل ما يفعلون إلا حبهم لله بالتقرب منه وحبهم لنبيه بالتزام أمره، فهؤلاء إن ذكرتهم رجعوا وأنابوا. وأما الفريق الثاني والذي تبنى رأياً مخالفاً على علم وقناعة، فما عليك من وزره من شيء، وإنما له عليك حق النصح باللين والحكمة والموعظة الحسنة، فإن أفَاءَ فَبِهَا ونعمت، وإلا فلتعمل أنت بما تدعوه إليه ولتبقى مخلصاً لعهد الأخوة بينكما وبعيداً عن الشحناء والبغضاء لتنال هذه المغفرة.
 

غفر الله لي ولكم ووفقنا جميعاً للعمل بهذا حتى نكون من مستحقي هذه المغفرة، ونكون من ثَمَّ مستعدين لقطف الثمرة الأكبر في رمضان ألا وهي "العتق من النار".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.