كانت القضية الجنوبية إحدى أوراق الضغطٍ المؤجلة، التي يستخدمها نظام "صالح" لسرقة نَفسٍ آخر يُمَكِن له في الحكم، ويبقيه على رأس السُلطة، أطول فترةٍ ممكنة. فخلق القاعدة على الصعيد الدولي، والقضية الجنوبية على المستوى المحلّي، بنكهةٍ مناطقية، فيما كانت التمدد الحوثي ورقة إقليمية خاصة وصبغة طائفية.
حضرموت التي لا تتصل بما يحاك في مِنصات عَدن بأي شكل مِنْ الأشكال، ولا تفهم اللغة التي تتحدث بها خِطابات الشحن المُبالغ فيه، والمدفوع إقليماً، شقت طريقاً آخر تجاه الفيدرالية. |
جميعها أوشكت أن تفقد فاعليتها بعد الحوار الوطني الشامل. فالفيدرالية تمثل حلا نموذجيا للقضية الجنوبية بالدرجة الأولى، ومع التقدم في تطبيق ذلك على الأرض ينبغي أن يكون الشطر الجنوبي أكثر اطمئنانا، والأكثر سعياً إليه. وهذا ما لم يحدث بعد أكثر مِنْ عامين على تحرير العاصمة المؤقتة (عَدن).
يمكنني الجزم هنا، أنْ لا أسوأ مِنْ الوَحدةِ التقليدية (وِحدة المصالح)، إلا الانفصال الذي يَعُود بَوجوهِ الماضي، وراياته التي نَكستها قيادته عن فَشلٍ وبعد تَجربة، وفي أطوار الدولة المتقدمة. لكن علينا أنْ نَمنح هذا المشروع حَقه مِنْ الإيمان، حتى لا يأتي التاريخ في يومٍ ما ويُزايد علينا بقصاصةٍ جانبية، ويتهمنا بالجناية على إرادةٍ شعبية. ولنقول معاً بصوتٍ واحد أن الانفصال مَشروعٌ حقيقي، ولنُحسن النيةَ في خاتمته التي سوف تختلف كثيراً عن بدايته، ولنفرض أنْ الصف الأول مِنْ قيادته تُحرك حَظها مِنْ الشارع في سبيل الاستقلال أو الانفصال، بالرغم مِنْ الفوارق الكبيرة بين المصطلحين.
لقد مَرت عشرة أعوام على إشعال أول إطارٍ في "خور مَكسر"، ولا يزال "حي المنصورة" القريب في شكٍ من دُخانه. فكيف له أنْ يتبنى مَصير حضرموت، ويطلب منها أن تُحرق جَدائلها لدعمه.
ما هو المشروع السياسي الذي يمكن أن يحل مكان المشروع السياسي؟ فالاشتراكية لَمْ تَعْد أكثر مِنْ جليسة أطفال، تعمل في مَيتمْ، ولا تطمح لإقامة دولٍ أو تُحدث نفسها باستعادة مجد. |
حضرموت التي لا تتصل بما يحاك في مِنصات عَدن بأي شكل مِنْ الأشكال، ولا تفهم اللغة التي تتحدث بها خِطابات الشحن المُبالغ فيه، والمدفوع إقليماً، شقت طريقاً آخر تجاه الفيدرالية. وسحبت الصفة الرسمية التي كان يتحدث بها الحراك المتطرف عن استعادت دولة وفك لارتباط، ليصبح معزولاً حتى مناطقياً بعد أنْ فقد الرافعة السياسية مِنْ أحزاب ومكوّنات فاعلة في البيئة السياسية اليمنية. الأمر الذي كان بمثابةِ ضربةٍ موجعةٍ للحراك، لكنه ليس كذلك للأطراف الإقليمية التي تمتلك نشاطاً توسعياً، وتعمل على تَطويع طرفٍ سياسي بأساليب رَخيصة، وطُرق مُبتذلة.
متى يتذكر الجنوبي المستقوي بالمُدرعةِ عَثرات وعجز الدبابة؟ ويدرك آنية المشاريع الإقليمية؟ مقابل المشروع الوطني؟! وما هو موقفه عندما يكتشف أن حِصته مِنْ حزب الإصلاح ذات التوجه الإسلامي ستكون أكبر مِنْ التي ستبقى للنصف الشمالي؟ وهل سيقوى على مواجهته بعد أنْ يتحرر الأخير مِنْ نظرية التوازنات؟ ويصبح أكثر خفة؟ بأدوات السياسة المُتعارف عليها، أم أنه سيلجأ إلى أساليب العجز!؟
ما هو المشروع السياسي الذي يمكن أن يحل مكان المشروع السياسي في مرحلة الوحدة؟ فالاشتراكية لَمْ تَعْد أكثر مِنْ جليسة أطفال، تعمل في مَيتمْ بأجرٍ يومي، فهي لا تطمح إلى إقامة دولٍ أو تُحدث نفسها باستعادة مجد.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.