تساءلت كثيراً لماذا يوجد الظلم والألم والمعاناة، ولماذا يأخذ إنسان حق أخيه؟ ولماذا يوجد الظلم؟ ولماذا يتأخر العدل؟ وحين زادت تساؤلاتي وطَغَى لونٌ أسود تشاؤمي على كافة أفكاري ولم أجد جواباً يروي ظمأي.. أرسل لي الله إشارات عديدة، واحدة تلو الأخرى، في كل منها جواب. وعلى قدر ما كان بلاؤه قاسياُ إلا أنه كان كافياُ تاماً مجيباً على كل ما دار في خلدي. جدير بالذكر أنني لم أقرأ في بلاءه جواباً إلا بعدما انقضى، وما كان لينقضي لولا برحمته أن ألهمنا الصبر. وإن الجواب لا يأتي بصورةٍ واضحة، إنما علينا الاجتهاد كي نهتدي إليه ونرى وعلينا التمسك باليقين التام والإيمان بحكمته -سبحانه وتعالى.
قد مرت بنا فترات، وصل فيها البلاء إلى ما يفوق حدود الاحتمال، فشعرنا فيها أننا بلغنا من الكبر عتياً وبلغ الشيب رأسنا بقدر ما رأيناه في حياةٍ لم نختر أقدارها ومُنِحنا حق اختيار كيفية التعامل معها والنظر إليها. لا تتأخر الحياة عنك لحظة.. إذا أنت نظرت إلى المعاناة حولك وكفّت عينُك عن تبَصُّر رحمة الله في الأرض فإنك ترسل روحك إلى جحيم الألم الدائم في الدنيا، ويرسلك الله إلى جحيمه في الآخرة لأنك كفرت برحمته. ولكن حين تراها مرحلة مؤقتة تقضي فيها ما شاء الله لك أن تقضيه، لا تأخذ من خيرها وزادها معك، ولا يبقى معك سوى عملك، صالحٌ كان أو سيء.
الشدائد تصنع الرجال وإن كان الظلم الذي تعرضنا له شديد ولم نستوعبه ولم نستوعب بعد حكمة الخالق في تلك الأقدار التي لم نخترها وإنما وُلدنا بها، فإن تلك مسيرة الحياة -التي اختارها لنا الله- هي سبيلنا في الوصول إلى غاياتنا |
له في خلقه شئون وإرادته فوق كل شيء ونحن إنما خاضعون لمراده. حربٌ هناك وقتلى بالمئات.. ومذابح ومجاعات.. طغيان وسلطة.. حقوق منهوبة وعبادٌ متكبرون.. الظالم والمظلوم.. ميزان كفته مالت حين ظن الخلق أنهم يقدرون ونسوا القادر الجبار. سألت نفسي كثيراً – وما زلت أسأل- ما الحكمة يا ربي من كل ذلك؟ ما لم أختره أنا؟ أعلم جيداً أنه وُضع أمامي لأتعامل معه بكامل المسئولية وأصل به إلى أقصى ما تُعينيني به قدرتي، فالله يرسل إلينا كل شيء لسبب! مهما صغر قدره. المصائب التي جاءتنا يا الله ولم ندرك أي ذنب اقترفناه كي نعاقب هكذا؟ وأي درس علينا تعلمه من ذلك البلاء؟.. حسناً ربما لا يوجد ذنب ولا يوجد درس.. وإنما هو اختبارك وصحيفتك.. فلتملأها بما شئت..
شكراً لكل تلك الظروف التي صنعتنا. لأننا اليوم نفتخر بما نحن عليه، وإن كان من حولنا لا يرون ذلك بعد؛ لكنهم سيرونه قريبا، فنحن نعلم بداخلنا ما وصلت إليه أرواحنا وما تنامى بداخلنا خلال تلك الفترة. الشدائد تصنع الرجال. وإن كان الظلم الذي تعرضنا له شديد ولم نستوعبه ولم نستوعب بعد حكمة الخالق في تلك الأقدار التي لم نخترها وإنما وُلدنا بها، فإن تلك مسيرة الحياة -التي اختارها لنا الله- هي سبيلنا في الوصول إلى غاياتنا، وإننا لم نُظلم أبداً، وأن تلك الشرور كانت خيراً تاماً ساقه الله إلينا.. فلا يظلم ربك أحداً.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.