شعار قسم مدونات

الجوع لا يواكب الموضة

blogs الجوع

ابتعدنا عن عصر الجاهلية كثيرا.. وكلما ابتعدنا عن عصرها غصنا فيها أكثر.. كيف يمكن أننا وصلنا لعصر التقاط الصور بابتسامة وفتح الأبواب بقرنية العين وحاسة اللمس طغت على كل الآليات ولا زال على هذه الارض من يموت جوعا. قبل يومين رأيت على أحد الصفحات التي أثق في مصداقيتها صورة لإحدى قبائل الصومال.. كثير من الألم يتجسد في صورة واحدة.. أم مكلومة بعظام صدر بارزة وثدي مهترئ تحتضن طفليها اللذان لم أستطع أن أميز جنسهما.. مجموعة عظام متراكمة.. أعين تترقب قطرة ماء ربما تغريها الجاذبية وتغادر الصنبور الصدئ لتستقبلها السن شقت من الجفاف.. جوع كتب على جبين قدرهم وحياة لا هدف منها سوى انتظار رغيف خبز من محسن عابر أو انتظار الموت الأكبر الذي سيلتقطهم قبل أن تراهم الحياة.  

أين نحن من كل هذا؟ أين الإنسانية التي من المفروض أننا ننتمي إليها؟ تذكرت المطاعم الفاخرة والفنادق التي تتباهى بعدد نجومها.. تذكرت قوانين "الإتيكيت" التي تنص أن ترمى كل بقايا الأكل والطلبات التي تراجع عنها مريدوها.. لماذا؟ فكرت بكل قوانين الطبيعة والفلسفة والرياضيات والفلك ولم أجد إجابة مقنعة للضياع الذي نراه ونشهده كل يوم ولا نستطيع تغييره. 

وأنا أتمعن الألم في عيني تلك الأم المسكينة التي تشهد احتضار طفليها وما بيدها حيلة وأفكر أنها ليست الوحيدة.. فتبعا للدراسات والإحصائيات هناك ما يزيد عن المليوني شخص الذين يفارقون الحياة سنويا بسبب الجوع.. فهل هذا معقول؟ هل يعقل هذا يا من يدفع ملايين الدولارات من أجل عملية تجميل والحصول على وجه لاعب كرة؟ هل يعقل هذا يا من تنفق الألاف لتبرز عظمة رقبتها لو أنك التفت لمن برزت جميع عضلاتهم من قلة الأكل لقطعت تلك الرقبة ربما في سبيل إنقاذ طفل ذنبه الوحيد أنه أخطأ العنوان.. فبدل أن يولد بين أحضان الذين يطعمون الكلاب وجبات بمئات الدولارات ولد بين المترقبين الذين يخافون الحياة أكثر مما يخافون الموت فأين نحن؟ 
 

كفى لهذا العالم استهتارا بالإنسانية ولننطلق في تهيئ عالم بدون جوع أو على الأقل لنرسخ في أطفالنا مبدأ الإنسانية مبدأ المساعدة ومبدأ الحب والرحمة.. لنعلمهم الحداثة ومحاربة الجهل لنعلمهم التكنولوجيا ومحاربة الفقر

الذين أقاموا هذه الاحصائيات وتسنت لهم فرصة الذهاب إلى حيث يتسلل الموت على شكل جوع وفقر وقلة حيلة لماذا لا يعلنون قبل مدة رغبتهم في الذهاب ويطلبون من المطاعم والفنادق والأسواق إعادة تدوير ما يتبقى من أكل يأخذونه معهم.. لماذا يتجاهل رؤساء الدول ظاهرة الجوع والفقر ويهتمون بشراء الأسلحة والدبابات؟ أليس الجوع أيضا نوعا آخر من الإرهاب؟ اليس الوسخ والفقر المتفشي في إثيوبيا والصومال وجنوب موريتانيا وجزء من اليمن وباءا فتاكا يجب القضاء عليه؟ أليس مبدأ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته هو أمر سيد البشر؟ أم أنكم ترون في الشريعة ما تحبون فقط وما يتناسب مع رغباتكم وحياتكم الفارهة؟ لا أدري حقا أين تتجه سفينة هذا العالم ولا أين سيرسى عذاب تلك القبائل لكنني أدري أن هناك حلقة مفقودة وكثير من السنين بين من يتنافسون فيمن يظهر على آخر طرازات الموضة ومن يتنافسن فيمن ستتحمل الجوع لأطول مدة ومن ستخسر أكبر عدد من أطفالها بسبب تلوث الماء إن هو وجد أصلا.

كفى لهذا العالم استهتارا بالإنسانية ولننطلق في تهيئ عالم بدون جوع أو على الأقل لنرسخ في أطفالنا مبدأ الإنسانية مبدأ المساعدة ومبدأ الحب والرحمة.. لنعلمهم الحداثة ومحاربة الجهل لنعلمهم التكنولوجيا ومحاربة الفقر.. لنعلمهم فن الحياة قبل وصولهم للروضة ولنعلمهم أن الجوع لا ولم ولن يكون أبدا من صيحات الموضة. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.