شعار قسم مدونات

المواطنة المتوحشة لدى الدول المصدرة لداعش

blogs - isis
نشر منذ فترة تقرير تنظيم الدولة الإسلامية رؤية من الداخل، وهو تحليل للوثائق التي حصل عليها مركز مكافحة الإرهاب في وزارة الدفاع الأمريكية من وكالة آن بي سي الإخبارية والتي حصلت عليها بدورها من أحد منشقي تنظيم الدولة داعش، ويعد التقرير بمثابة كنز يحمل في طياته أهم الوثائق والمستندات عن مقاتلي وأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الأجانب، أثناء تدفقهم بين حدود العراق وسوريا. واعتمد التقرير 4173 استمارة من أصل 11000 وثيقة يتوزع أعضاؤها بين 70 دولة، وشملت الاستمارات معلومات ديموغرافية واجتماعية وصفة المواطنة ومعلومات أخرى. وحسب التقرير فإن المعلومات المتوفرة تمثل 31 % من نسبة مقاتلي تنظيم الدولة، خلال الفترة من أوائل 2013م وحتى نهاية العام 2014م.

ما يهمنا هنا هو سؤال المواطنة والتي لم يجب عليه سوى 22 % من المقاتلين الأجانب، وهذا مؤشر على ضعف الهوية والانتماء لهولاء المقاتلين. وحسب رأي الباحثين أن السبب يعود إلى أن المواطنة التي ذكرها المقاتلون الأجانب قد تختلف عن مكان عيش المقاتل قبل انضمامه لداعش، أي أنه ليس قادما من موطنه الأم.

المدهش في هذا التقرير أن العدد الأكبر من الذين لم يسجلوا المواطنة كانوا من دول عربية وإسلامية، وهذه الدول هي الأكثر فسادا في العالم حسب منظمة الشفافية الدولية للعام 2016م، كما أنها هي الأسوء في حقوق الإنسان حسب تقرير “أطلس مخاطر حقوق الإنسان” للعام 2104م.

المثير أن الهند ذات الكثافة السكانية العالية هي من الدول الأقل مشاركة، وعلى الرغم من أن الهند فيها أكبر تجمع من المسلمين الذي يصل عددهم إلى 260 مليون وهم أكثر من عدد سكان 20 دولة عربية إسلامية، إلا أن عدد المنضمين منها سبعة أشخاص فقط، وهذا يمثل صفر بالنسبة لعدد السكان فيها.

الشباب الذين انضموا لداعش كان ينقصهم حاجة الانتماء، لم ينقصهم المستوى التعليمي أو المستوى المعيشي الممتاز، فهناك تقارير أشارت أن المستوى التعليمي للشباب المنظمين لداعش أو الجماعات المتطرفة الأخرى كانت عالية.

وبمقارنة عدد المنظمين لتنظيم الدولة من الهند بالمقاتلين القادمين من الدول الغربية، فسنجد الغرب موردا مهما لداعش والذين يصل عددهم بالآلاف، إحصائياً المسلمين في الغرب مجتمعة لا يصل إلى ربع عدد المسلمين المتواجدين في الهند. فالقضية ليست قضية فقر أو مستوى اقتصادي أو خدمات بقدر ما هي مواطنة مفقودة في هذه البلدان والتي جعلتهم على هذا النمط من المواطنين المتوحشين.

الإعلامي والقاضي الألماني يورغن تودنهوفر والذي زار تنظيم الدولة وأصدر كتابه في قلب داعش: 10 أيام داخل الدولة الإسلامية قال في مقابلة له في الجزيزة، إن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى وحشية مقاتلي تنظيم الدولة هو أنهم يشعرون بالتمييز والاضطهاد في بلدانهم، وأن قيمتهم الاجتماعية ليست عالية بسبب انتمائهم الديني.

وقال أيضا إن الإرهاب الغربي وراء نشأة تنظيم الدولة. ففي العام 2008 أثناء الغزو الأمريكي للعراق بلغ السجناء والمعتقلون والمحتجزون في كل أنحاء العراق 59000 حسب تقرير التنمية البشرية 2009م، ولا ننسى فضيحة سجن أبو غريب.

المحزن أن الفئة العمرية من سن 24 و 25 سنة هم أكثر المنظمين لتنظيم الدولة، سيكولوجيا في هذا العمر يكون الشباب قد تجاوز المشكلات الخاصة بالهوية في طور المراهقة، وانتقل إلى مرحلة جديدة. يصنف علماء النفس هذه الفئة العمرية بمرحلة الرشد، وفي هذه المرحلة يمتلك الشباب قدرات ويستكشفها فيبدأ في تنميتها، ويسعى لزيادة إنسانية القيم لديه في أن يجد وظيفة يؤديها في المجتمع، كما أن الأخلاق لديه تعتمد على النظام المهني القائم للمجتمع مثل نظام القيم الدينية في المجتمع الذي يحتويه، فيكون لديه حاجة للإنجاز ويندفع نحو الاستقلال النفسي والتعامل الفاعل. وهذا للأسف ما استغله تنظيم الدولة في استقطاب الشباب ولم تدركه كثير من الدول التي غادر منها الشباب ولم يعد.

لكن السؤال لماذا ينتمي هؤلاء الشباب لتنظيم داعش؟ لماذا الحماس والاندفاع والمخاطرة بأنفسهم؟ في حقيقة الأمر، الانتماء نوعان سلبي كالذين ينتمون للجماعات المتطرفة والإجرامية، وانتماء إيجابي كالانتماء إلى الجماعات التطوعية والخدمية، هذا يقودنا للعودة إلى هرم الحاجات الإنسانية لماسلو الذي ذكر أن الحاجة إلى الانتماء في المرتبة الثالثة بعد الحاجات الفسيولوجية والبيولوجية والحاجة إلى الأمن، فعندما يحدث خلل في الحاجة إلى الانتماء إلى الجماعة أو الوطن يبدأ يفقد سيطرته ويتوتر ويحاول أن يشبع هذا النقص في الانتماء بأي طريقة تساهم في سد هذه الفجوة من الحاجة، فيبدأ في البحث عن جماعة يضم نفسه لها، ليقلل من هذا النقص والتوتر، وبحسب نظرية الهوية الاجتماعية أن هذا الانتماء يعزز هويته واحترامه لذاته، والتي تقول أيضاً إن هوية المجموعة والفرد هو الأساس لسلوك الجماعة.

فالشباب الذين انضموا لداعش كان ينقصهم حاجة الانتماء، فهولاء الشباب لم ينقصهم المستوى التعليمي أو المستوى المعيشي الممتاز، فهناك تقارير أشارت أن المستوى التعليمي للشباب المنظمين لداعش أو الجماعات المتطرفة الأخرى كانت عالية، فاثنين ممن قادوا أحداث سبتمبر كانوا حملة شهادة الدكتوراة، كما أن الفقر وانعدام التنمية، وركود الاقتصادات ليست هي المحركات أو "الأسباب الجذرية" للإرهاب، فـ 42 % من المنظمين لداعش كانوا قادمين من مجموعة دول العشرين. ووفقا لذلك، فإن "الصعوبات الاقتصادية" عذر كان خاطئا. كما أن المستوى التعليمي ليس مبرراً أيضاً فـ 20 % من المنظمين للتنظيمات الإرهابية حول العالم هم مهندسون بحسب النيوريك تايمز.

هي فرصة ولو متأخرة أن تستثمر المعلومات المتاحة في هذا التقرير في فهم ومعرفة هذا التنظيم من الداخل مما سيكون له فائدة إيجابية ليس فقط في محاربة تنظيم الدولة عسكرياً.

للأسف أن أكثرأعضاء تنظيم داعش هم من الدول العربية، وهي دول الثقب الأسود وهو التعبير الذي أطلق عليها في تقرير التنمية الإنسانية العربية عن الحرية في 2004، وهو تعبير يعني أن المجال الاجتماعي العام صار مساحة من الجمود لا يتحرك فيها أي شيء ويلتهم كل شيء في المجتمع لينتهي داخل هذه المساحة، فخلال خمسة عقود المناهج الدراسية العربية على المواطنة تتناقض مع البيئة السياسية والقيم الإسلامية السمحاء، كما أن الحياة الحقيقية للطالب التي يواجهها في حياته تتناقض مع مبادئ وقيم حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والذي خلق مزيدا من الإحباط.

وفي المقابل، ساعد الإعلام الغربي في إيجاد صورة نمطية سيئة عن الإسلام، وركز على الأعمال الفردية التي يقوم بها بعض المسلمين، وهو ما خلق موجة الإسلام فوبيا لدى الغربيين فتولدت بيئة طاردة للمسلمين وحالة من شعور عدم الانتماء وأفراد منبوذين بسبب انتمائهم الديني وهو ما جعل كثيرا من الشباب المسلمين في الغرب ينضمون لداعش.

لقد فشل حكام الدول المصدرة لمقاتلي داعش في إدراك ديناميكية أهمية غرس سلوك المواطنة في الوقت الصحيح لأعضاء المجتمع، فدائماً يكون رد فعلهم بطيئاً وبذلك يفقدون فرصة أن يكون الشباب يشعرون لأوطانهم، وهو ما أدى أن تظهر داعش بهذه السرعة وتقوم القوة الجارفة لداعش وتحصل الفوضى.

المزيد من الناس خاصة الشباب في الدول المصدرة لداعش يعانون من فقر الروح والأخلاق، والفقر من الغرض، والأهم من ذلك كله فقر الانتماء لمجتمعهم ووطنهم فتتولد لديهم الحاجة إلى مواطنة أخرى وحتى لو كان ثمنها أنفسهم.

هي فرصة ولو متأخرة أن تستثمر المعلومات المتاحة في هذا التقرير في فهم ومعرفة هذا التنظيم من الداخل مما سيكون له فائدة إيجابية ليس فقط في محاربة تنظيم الدولة عسكرياً ولكن في عدم تغذية التنظيم بالأفراد وذلك في استيعاب الشباب واحتوائهم في بلدانهم الأم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.