شعار قسم مدونات

العرب واللوتري

blogs - أميركا
شهد اليومان الأخيران عرض نتائج اللوتري (برنامج الهجرة العشوائي إلى أميركا للإقامة الدائمة فيها، والتمتع بحقوق المواطن الأميركي تقريبا؛ من دراسة، ودعم أسرة، وفرص عمل). أنا في الجزائر، لم يستطع زملائي المسجلون والمنتظرون اللحظة التاريخية بالنسبة لهم، الولوج إلى الموقع لمعرفة من هو صاحب الحظ السعيد هذه المرة (لقد تم اختيارك)، أم أن الدنيا فتحت ذراعيها لغيره وأغلقتها في وجهه (لم يتم اختيارك)، على أمل أن تفتحها له في القريب العاجل. لم يتمكنوا من الدخول بسبب الضغط الهائل الذي شهده الموقع من عدد الداخلين عليه، وشهدت تقطع قلوب أصدقاء لعدم إمكانيتهم الدخول، وزاد جنونهم مع سماع أسماء أصدقاء لهم يعرفونهم بسيماهم تم اختيارهم.

لماذا يريد الشاب العربي وبإصرار منقطع النظير على الرحيل والإقامة الدائمة في أميركا وغيرها كفرنسا، وبريطانيا، وكندا، وإيطاليا وغيرها من البلدان؟ وما هي الأسباب التي جعلت من شاب في العشرينيات من عمره التفكير واتخاذ القرار والإلحاح على ترك أرضه وموطنه والرحيل؟ المال والبحث عن العيش الرغيد؟ البحث عن متنفس؟ الحرية؟ الكرامة؟ ال…؟ ال…؟ تختلف الأسباب بنسب متفاوتة من بلد إلى آخر، ومن شاب إلى آخر.

لا يختلف اثنان على أن هجرة الشباب العربي، وتركهم أوطانهم بشكل دائم، كارثة إنسانية، ناتجة عن خلل علمي، وثقافي، واجتماعي. ونتائجها السلبية اجتماعيا واقتصاديا كارثية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وخاصة تلك البلدان التي يكاد يكون رصيدها الوحيد، ورأس مالها هو الطاقات البشرية كاليمن مثالا لا حصرا. هذه الهجرة في اتجاه واحد تنمو فيه الجهة المستقبلة بعقول وجهود أبناء تلك المرسلة التي تضمحل تدريجيا أكثر مما هي مضمحلة، وتزداد معاناتها الاقتصادية سوءا يوما بعد آخر، ألا يدعو هذا الشباب العربي إلى إعادة النظر؟

ما الذي يجعل الشاب الجزائري والمغربي والتونسي يتردد ولو للحظة واحدة بعدم التفكير في إسبانيا وفرنسا؟ ما الذي يجعل الشاب الليبي يشغل تفكيره في تنمية بلده بدلا من إيطاليا؟

الكثير من رسائل الماجستير، والبحوث في الاجتماع ناقشت موضوع هجرة العقول والكفاءات، وأولت الظاهرة اهتماما كبيرا. ناقشت تلك البحوث الأسباب، وكثير منها الحلول أيضا، وما زالت الهجرة جرحا لم يندمل، ونزيفا لم يتوقف، وتظل تلك البحوث القديمة والحديثة وحتى القادمة منها حبرا على ورق، يلف بها الشاب اليمني أحيانا مجموعة من البطاطس المقلية في بلاد غربته.

اليأس الذي يعيشه الشاب العربي في بلده لا يمكن السيطرة عليه لا بالحديث عن الوطنية، ولا بالمحاضرات الرنانة الجوفاء على أن بلدكم أولى بكم من غيرها، إذا لم تكن هناك حلول عملية جذرية يلمسها الشاب العربي وتمنعه حتى من مجرد التفكير في الرحيل.

ما الذي يجعل الشاب الجزائري والمغربي والتونسي يتردد ولو للحظة واحدة بعدم التفكير في إسبانيا وفرنسا؟ ما الذي يجعل الشاب الليبي يشغل تفكيره في تنمية بلده بدلا من إيطاليا؟ ما الذي يجعل الشاب اليمني والمصري والسوداني وغيرهم يقتلع فكرة الرحيل من رأسه؟ ألا تستحق تلك البلدان العناء والصبر حتى ننهل كلنا من معينها بشكل متساو وعن رضى دون الغاء أو تهميش؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.