لقد تابعت خلال الأيام القليلة الماضية الكثير الكثير من ردود أفعال النخب والعوام -إن صح التعبير- حول هذه الوثيقة فخرجت بانطباع أن الغالبية العظمى حكمت على الوثيقة من خلال انطباعها المسبق عن الحركة وقاداتها وسيرتها ومسيرتها السياسية منذ نشأتها وبداياتها سلبا أوإيجابا، وقلما وجدت من حلّل الوثيقة بتجرد وتحييد لأي انطباع مسبق.
ومن المفارقات أن أصدق وأدق من وصف الوثيقة على حقيقتها هو العدو الأول للحركة (العدو الصهيوني) وقادتها الذين وصفوا الوثيقة بأنها لا تقدم جديدا و(حماس) هي هي لم تتغير ولم تبدّل جلدها كما حاول البعض تصوير ذلك، خاصة من خصوم الحركة في فلسطين وأعني هنا (فتح)، التي وجدت في الوثيقة فرصة لتنظف بها نفسها ولتثبت من خلالها لمناصريها أن طريقها هو الصحيح وأن (حماس) بدأت من حيث انتهت (فتح) ولكن بعد ثلاثين عاما، بل وطالبتها على لسان أحد قادتها بالاعتذار عما بدر منها طيلة الأعوام الماضية من تخوين وتكفير وعرقلة لمسيرة القيادة الفلسطينية -على حد تعبيره-.
الرسائل التي أرادت الحركة إيصالها للمعنيين الحقيقيين أظنها وصلت؛ أولا للعدو الصهيوني، وثانيا للمجتمع الدولي بدليل ردود فعل مختلف وسائل الإعلام العالمية. |
وأنا كفلسطيني أسأل ذلك المسؤول الفتحاوي: في المقابل هل ستعتذر (فتح) عما تسببت به من دمار وانتكاسات في القضية الفلسطينية طوال عقود حملها للسلاح حيثما حلت في الكويت والأردن ولبنان قبل أن تلقيه وترفع غصن الزيتون؟!
لنعد إلى الوثيقة..
هناك من تساءل عن كينونة الوثيقة وهل تلغي (ميثاق) الحركة، وقد أجاب (مشعل) صراحة في مؤتمر الإعلان عن الوثيقة أن هذه الوثيقة لا تلغي الميثاق، لكن مرة أخرى من أرادها بديلا عن الميثاق ينطلق من اعتراضاته أصلا على الميثاق وأنه لا ينبغي أن يظل مرتبطا بالحركة بعد كل هذه السنين وتغير الظروف، لكنه غفل عن أن واضعوا الوثيقة أرادوها بديلا فعليا وحقيقيا عن الميثاق لأسموها (ميثاق حماس) وليس (وثيقة).
من هنا رأى بعض النخب المتعاطفة مع الحركة أنه لم يكن هناك داع لذكر قضية القبول بدولة مؤقتة على حدود الـ 67، خاصة وأنها في بند آخر تشدد على عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، وعدم تنازلها عن شبر من فلسطين التاريخية، وهنا أقول أن ذلك صحيح لو أننا نتحدث عن (ميثاق) وليس وثيقة. من هنا تبادر سؤال في ذهني وهو هل نجحت قيادة (حماس) في تسويق بنود هذه الوثيقة؟ والسؤال بشكل آخر هل الاطلاع على الوثيقة دون متابعة المؤتمر الصحفي لقائد الحركة (مشعل) وشرحه لها وردرده على تساؤلات الصحافيين سيوصل الرسالة التي من أجلها وُضعت هذه الوثيقة؟
أكاد أجزم أن كثيرين ممن انتقدوا وهاجموا الوثيقة لو تابعوا المؤتمر الصحافي لخفتت حدة انتقاداتهم، لأن المؤتمر ولاشك ساهم إلى حد كبير في توضيح ما اعتبره كثيرون تناقضات نصت عليها بنود الوثيقة.
أرى -شخصيا- أن على الحركة أن تُلحق الوثيقة بشروحات تفصيلية من وحي ردود (مشعل) على أسئلة الصحافيين، وبل من وحي مقدمته التي قدم بها للوثيقة.
لا شيء تغيّر إلا كما وصف معلق صهيوني عندما قال ما معناه إن ما تغيّر في (حماس) من خلال هذه الوثيقة أنها كانت تريد تحرير فلسطين من البحر إلى النهر والآن أصبحت تريد تحريرها من النهر إلى البحر. |
عموما فإن الرسائل التي أرادت الحركة إيصالها للمعنيين الحقيقيين أظنها قد وصلت؛ أولا للعدو الصهيوني، وثانيا للمجتمع الدولي بدليل ردود الفعل الصادرة في مختلف وسائل الإعلام العالمية ولم يكن آخرها دعوة البرلمان البريطاني للتعامل بإيجابية مع الوثيقة لما فيها من لغة جديدة، على الرغم من تأكيد (مشعل) في معرض رده على أحد السائلين أن الحركة لا تقدم وثيقتها ورقة اعتماد لأحد حتى يرضى عنها أو تلقى القبول لديه وإنما تقدم رؤيتها الحقيقية بشكل واضح وجلي لا يقبل التأويل أو التحليل.
أما عامة شعبنا الفلسطيني والمهتمين بالقضية الفلسطينية من شعوبنا العربية والإسلامية فلا أظن الوثيقة غيرت أو ستغيّر شيئا من انطباعاتهم المسبقة عن الحركة فالمعارض لها سيبقى معارضا لأنه يرى أن (الحمساوي) الجيد هو فقط من طاله الاغتيال على يد المحتل وأدواته، والمشكك سيبقى مشككا والمؤيد والمتعاطف سيبقى كذلك.
إجمالا وهذه دعوتي ألا نحكم على ما هو مكتوب إلا من خلال الأداء على الأرض وهو الحكم والفيصل في كل شيء؛ فما دامت الحركة لم تلق سلاحها ولم تتوقف عن الإعداد وتسليح كتائبها فلا شيء تغيّر إلا كما وصف ذلك المعلق الصهيوني عندما قال ما معناه بأن ما تغيّر في (حماس) من خلال هذه الوثيقة أنها كانت تريد تحرير فلسطين من البحر إلى النهر والآن أصبحت تريد تحريرها من النهر إلى البحر.
وإلى لقاء قريب في فلسطين… كل فلسطين من البحر إلى النهر…
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.