شعار قسم مدونات

العدالة والتنمية و"جرعة" الموت!

blogs - morocco

يبدو أن مهارة الطبيب النفساني وخبرته الطويلة لم تسعفه لحد الآن في معالجة "الصدمة النفسية" التي خلفتها إقالة زميله المتميز، وهو في قمة مجده، حيث سُرق منه الانتصار عنوة في وضح النهار! وقد صدق من وصف حدث إعفاء السيد عبد الإله بنكيران بأنه "زلزال"، ما زال الحزب والمتعاطفون معه يعيشون على وقع هزاته الارتدادية لحد الآن!

من "هول الصدمة" كأنك ترى قادة المصباح سكارى وما هم بسكارى، ولكن هول الصدمة كبير! فأغلب قادة الصف الأول قد أصيبوا بـ"اضطرابات" ما بعد الصدمة.. ولكن -المساكين- لم يستفيدوا للأسف من أي مساعدة أو "دعم نفسي"، بالرغم من أن زميلهم طبيب نفسي من الدرجة الأولى! ويعلم علم اليقين دور "الاستجابة الفورية" للصدمة، وأهمية "التهدئة"، وفعالية "تقنيات الحد من التوتر"، التي يتقنها كل العاملين في هذا المجال الحساس!

الغريب العجيب حقاً هو أن بعض قادة الصف الأول قد "كشفوا" عن إصابتهم بـ"عقدة الزعيم"، إذ أظهرت سلوكياتهم المرتبكة وتصريحاتهم المتناقضة، معاناتهم "اللاشعورية" من "هيمنة" الزعيم، حيث هرولوا، كل واحد باسمه، إلى التسريع في قلب صفحة الزعيم!

فقد سمعنا من دبج قصيدة مدح عصماء أمام الزعيم "المظلوم"، تلاها بتأثر بالغ وصفق لها الجميع، ولكن بعد حين من الدهر صدع قائلاً: "انتهت مرحلة الزعيم"! ووجدنا آخر فاجأنا وبشرنا بلغة "التوافق"، وبعدها مباشرة "ثار" في وجه رمز "التوافقات"، ولامه على قبوله كل "الاشتراطات"! بل صرح القائد الشاب قائلاً: "كيفما كانت شعبية بنكيران فإن لها أجلاً ستنتهي فيه"! مضيفاً أن "شعبيته لن تصل إلى شعبية علال الفاسي!" هكذا!

أما قيدومهم فقد عدد مناقب الزعيم المستبصر، وذكرنا باختراقه قلوب المقربين، والملايين من المواطنين، ولكنه في الحين اتهم "من يسعون لرفعه إلى درجة "القديسين"! بل قد استكثر -ويا لعجبي- على من وضعوه في خانة "الزعماء التاريخيين"! فلو وقف عند "التقديس" لقلنا معه حق، وإن لم نجد من "اقترف" هذا الإثم في صفوف المناضلين أو المعجبين! ولكن أن يستكثر على الزعيم رفعه إلى مرتبة "الزعماء التاريخيين" فهذا يدخله حتماً ضمن "جوقة" المقللين من "هالة" الزعيم! ويضعه في صفوف "المصابين!"
 

نال السيد الرئيس "تفويضاً" ذهبياً استغله بسرعة لتقديم "جرعة السم" القاتلة التي ظل الزعيم يرفضها ويمُجها أمام الناس، مما زاد من رصيده الشعبي.

هناك من استهجن صراحة وصف الزعيم بأنه "آخر الفرسان"! ومنهم من طعن "إخوانه" أو "أخته" في المصباح والكفاح، ربما بسبب تعاطفهم الزائد مع الزعيم، الذي استقبلته شبيبته بشعار "يا زعيم ارتاح ارتاح". ومنهم من وجه "نصائحه" عبر رسالة خاصة لأحد الصحفيين المهاجرين ناصحاً إياه بالابتعاد عن الشأن السياسي المغربي! ومنهم "فلاسفة الهزيمة" الذين تكلفوا بالردود وصياغة التبريرات للتنازلات "المؤلمة"، وتحويل الهزيمة إلى انتصار! وما زالت "حملة الإسكات" وتكميم الأفواه متواصلة!
 

هذه كلها في رأيي "هزات ارتدادية" للزلزال، وأعراض "صدمة نفسية" تعرض لها حزب العدالة والتنمية! ولكنه لم يجد المساعدة النفسية من "طبيبه الخاص"، ويبدو أن الأمر مقصود لذاته !كيف يعقل أن يتعرض أقوى حزب في المملكة لأزمة نفسية حادة! وتوجد في قيادته شخصية متخصصة، ولا تحرك ساكناً؟ هل يمكن أن يكون الطبيب النفساني نفسه المسكين "ضحية"، ويعاني أيضاً كان الله في عونه؟
 

من النصائح الذهبية التي يقدمها المتخصصون في تقديم "الدعم النفسي" ألا يُمنع "المصاب" من الحديث عن "الإصابة"! بل ينصح بالحديث مع من يثق به! والعكس تماماً هو الذي يحدث أمامنا !ومن الأمور المستغربة حقاً أن قادة المصباح أقفلوا أبواب مؤسساتهم العليا المرشحة "للحديث" عن "الكارثة"/الزلزال، واهتموا بتوجيه "نصائح الصمت" لكل الغاضبين، ونشر "نداءات السكوت" من خارج المؤسسات! والمستهدف أولئك الذين لجأوا لفضاءات افتراضية وجدوا فيها "الثقة" المطلوبة، وتنشقوا فيها حرية التعبير! خصوصاً بعد غياب الزعيم، و"نهشه" من طرف "زملائه" المقربين، "وهو حي يرزق!"
 

الخلاصة: على كل الغاضبين والمحتجين "آخر شعلة مضيئة في المصباح" انتظار افتتاح أبواب المؤسسات المغَلّقة حالياً إلى إشعار آخر! ولسان حال قادتهم: ما دامت المؤسسات مغلقة رسمياً، فأفواهكم أيضاً يجب أن تظل مغلقة فيسبوكياً! حيث تم "تحريم" التدوين إلى حين، و"تجريم" المدونين!
 

ببساطة: يبدو أن طبيبنا "البديل" بدل أن يقدم "دعماً نفسياً" فورياً، يخرج "المصابين" من حالة الأزمة، بأقصى سرعة ممكنة، استغل "وقع الصدمة" نفسه ليمرر "مخططه" الرامي إلى تدشين "مرحلة جديدة" مختلفة تماماً عن سابقه! حيث تكون له "بصمته" الخاصة، والمختلفة جذرياً عن بصمات سلفه !
 

فقد تحرك الطبيب النفساني نحو هدفه بسرعة مستغلاً "حالة الذهول"! بل قد زاد من "الجرعة" ليتسنى له ما أراد قبل أن يستفيق "القادة أنفسهم" من حالة "التخدير"، وكذا "القواعد" بالتبعية، أما المواطنون فهم آخر من يفكر فيهم، لأنهم لم يختاروه أصلاً! وصراحة لو كان هو "الزعيم" لما حصد تلك الملايين التي حصدها "الزعيم" القديم!

إذا كان الهدف من إعفاء "الزعيم" هو إيقاف تقدمه المتصاعد رغم كل العراقيل! فإن دور"البديل" إما أن يبقى "صامداً" في النقطة نفسها، وإما أن يأخذ طريقه السهل نحو الأسفل، إرضاء لمن "رفعوه" إلى الأعلى!

الطبيب المنعم عليه تم اختياره من السدة العالية بالله لذلك فهو سيبقى وفياً بالدرجة الأولى لمن اختاره وشرفه بالتكليف بعدما نزعه من زميله، وقبِل بسرعة فائقة وطار للمشوار السعيد! وعاد منه حاملاً "سلاماً مولوياً" حوله في الطريق بخبرته الطبية ودهائه إلى "جرعة تخدير" موضعي للمجلس الوطني! الذي تناول "الطعم" من رئيسه "بكل ثقة" فهب عن بكرة أبيه، وهو المجروح المتألم، لرد التحية بأحسن منها.

نال بذلك السيد الرئيس "تفويضاً" ذهبياً استغله مجدداً بسرعة لتقديم "جرعة السم" القاتلة التي ظل الزعيم يرفضها ويمُجها أمام الناس، مما زاد من رصيده الشعبي، إذ "تفاعلت معه القواعد والجماهير إيجابياً" وقطاع عريض من الناس اللي "تحت"، وذلك لتشبثه بـ"القواعد" واحترامه للإرادة الشعبية، وإن حلت عليه غضبة من "فوق" ومن بعض "المقربين" الذين كشفتهم لنا "الصدمة" بعد حين!
 

بكلمة: علمتنا التجارب أن رصيد الشعبية يرتفع عادة بالصدق والصمود، وينخفض حتماً بالمراوغة والانبطاح! وأكد لنا التاريخ: أن الشعب المغربي ذكي جداً، خبر بفطرته كل أنواع السياسيين، إذ يهفو فؤاده السليم فقط لمن لمس فيه "الصدق" و"الصراحة" و"الجرأة" و"الشجاعة"، وإن اتخذ ضده "قرارات صعبة" و"مؤلمة" أما من يفتقد "المصداقية" أو نصفها أو ثلثها! فلا مكان له قطعاً في أفئدة الجماهير الشعبية، ولو كان يحمل "مصباحاً" أو يُظهر لحية وطيبوبة غير نافعة! فتلك مُسَلّمة لا شك فيها!

أخيراً: إذا كان الهدف من إعفاء "الزعيم" هو إيقاف تقدمه المتصاعد رغم كل العراقيل! فإن دور"البديل" إما أن يبقى "صامداً" في النقطة نفسها، في انتظار استعادة "المبادرة" واستئناف "الصعود"، وإما أن يأخذ المنحنى طريقه السهل نحو الأسفل، إرضاء لمن "رفعوه" إلى الأعلى! وتنفيذاً لحكم "العقاب الجماعي" لكل من آمن بالصناديق الزجاجية وصوت للمصباح، وطرد "الاتحاد" مغضوباً عليه من "تحت"، فتمت "مكافأته" من "فوق".
 

إنه نفس مصير "المصباح"، إذا لم "ينقذ" نفسه سريعاً ويتخلص من "جرعة الموت" التي تجرعها رغماً عنه، حفاظاً على رضى يخشى ضياعه! ومتجاهلاً رضى شعب بوّأه منزلة لم يمنحها لحزب قبله في كل تاريخ المملكة، وإذا لم يسارع إلى تقديم "حسنة" تمحو "سيئته" وتواري سوأته فما مصير "الاتحاد" عنه ببعيد !وإن غداً لناظره لقريب!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.