شعار قسم مدونات

حتى الفقهاء يبحثون على غوغل

blogs - جوجل
إن الثورة التكنولوجية والإعلامية اخترقت بقوتها كل المجالات بما فيها المجال الديني، فلم يعد الفقيه أو رجل الدين يستعمل الكتب والمراجع الثقيلة فقط، بل صار منفتحا على محركات البحث للتنقيب عن النصوص ومقارنة كلام الأولين بالآخرين والاطلاع على كلام أقرانه وأساتذته. وأصبح للفقهاء مواقع وصفحات وقنوات على الإنترنت، مما وسع انتشارهم وسهل تواصلهم مع الجمهور وأغناهم عن التنقل المستمر بين المساجد والسفر بين البلدان.

وانتشر لدى جمهور الدول ذات الغالبية المسلمة الاطلاع على جديد المحاضرات الدينية والفتاوى على الإنترنت لسهولة الأمر، وبدأ الاتجاه نحو توجيه الأسئلة للفقهاء عن طريق مواقعهم الشخصية ونشر ردودهم، وصارت تعرض عليهم أسئلة في شتى الميادين وبحرية أكبر، لعدم وجود حرج التواصل المباشر أو تعذره. لكن انتشار الفتاوى والمواد الإعلامية ذات الطابع الديني على الإنترنت مهد لانتشار الفتاوى الشاذة وأفكار تعد الشباب للتطرف، وسحبت الإنترنت البساط من بين الدول وجعلتها غير قادرة كما كانت على السيطرة على هذا الحقل الحيوي.

على مر تاريخ الدول ذات الغالبية المسلمة، كانت للسلطة المركزية اليد الطولى في نشر المذاهب والآراء الفقهية، فقد كانت تشجع هذا وتضيق على ذاك، وكم من المذاهب والاتجاهات الفكرية انقرضت، رغم كونها أكثر تسامحا وانفتاحا، بسبب أسباب سياسية.

يجب الضغط على الشركات الكبرى للعمل مع مؤسسات دينية معتدلة ذات مصداقية ودول متعاونة ذات خبرة للحد من الفتاوى المتطرفة على الإنترنت ووضع آليات مناسبة.

أما في عصر محركات البحث والشبكات الاجتماعية، أصبحت لوغاريتمات متطورة تتولى تصنيف نتائج البحث، فعند البحث في موضوع ديني ترتب النتائج حسب نظام جد معقد تتدخل فيه عوامل عدة، كانتشار رابط الموقع وعمره وكلماته المفتاحية وسرعة تحميله، وعوامل أخرى تبقى سرية. فكلما كان الترتيب متقدما كل يحال زوار جدد على الموقع، لكن الخطر هو أنه لا يوجد من بين هذه المعايير معيار مدى تحريض مواد الموقع للعنف أو خطاب الكراهية.

تتحمل مواقع البحث العالمية والشبكات الاجتماعية جزءا من مسؤولية انتشار التطرف وأفكاره على الشبكة، فهذه الشركات كغوغل وفيسبوك وتويتر وغيرها تتمتع بميزانيات دول ونفوذ وتطور كبير، ويمكنها مقاومة هذه الظواهر والحد منها. فللإشارة فهي تحارب بشراسة التعدي على الملكية الفكرية وتحجب من محركات البحث المواقع التي تنسخ المحتوى، ويستعد فيسبوك للرضوخ لمطالب الصين، ووضع آليات بتعاون مع الحكومة لتقييد المحتوى المعارض لنظامها السياسي.

يجب الضغط على الشركات الكبرى للعمل مع مؤسسات دينية معتدلة ذات مصداقية ودول متعاونة ذات خبرة للحد من الفتاوى المتطرفة على الإنترنت ووضع آليات مناسبة، وخصوصا مع تزايد الضغط على هذه الأخيرة من قبل الدول الغربية للحد من انتشار الأخبار المزيفة في فترات الانتخابات. فهذا لن يقضي على الخطاب التحريضي تماما، لكنه سينقذ كثيرا من الأرواح ويوجه طاقات كثير من الشباب من الهدم إلى النفع.  

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.