شعار قسم مدونات

الجديد الوحيد في وثيقة حماس

blogs - حماس
لست ممن رحب بوثيقة حماس منذ أن أُعلن عن قرب الإفصاح عنها، فغالبا ما يحمل التغيير ما يقلق أكثر مما يُطمئن. واللحظة التي تعيشها أمتنا الإسلامية هي لحظة انكسار كبير، وكذلك تعيش الحركة الإسلامية لحظة انكسار ربما تكون الأكبر في تاريخها. فإذا ما أعلن فرع للحركة الإسلامية عن وثيقة جديدة له في هذا الظرف التاريخي، فالطبيعي أن يثير ذلك الخوف والريبة، فإن لم تحمل الوثيقة الجديدة تخلّيا وحَيْدا، فستحمل بلا شك ذبذبة واضطرابا.
وقد سبق إعلان حماس لوثيقتها تغييرا في مواقف وخطابات كثير من فروع الحركة الإسلامية في البلدان المختلفة، وعندما أقول الحركة الإسلامية فأنا أقصد بذلك تحديدا جماعة الإخوان المسلمين، والذي يكاد يكون مصطلح الحركة الإسلامية مرادفا لها.

أقول: سبق وحدث تغيير كبير في مواقف وخطابات كثير من فروع الحركة الإسلامية في البلدان المختلفة، فخرج فرع الحركة الإسلامية في المغرب (حزب العدالة والتنمية) ليعلن تمسكه بالملكية هناك كنظام حاكم ورفض أي حراك شعبي لإسقاطه، وكذلك القطع بإنهاء أي صلة تنظيمية بجماعة الإخوان المسلمين الأم، بل ووجدنا عبد الإله بن كيران رئيس الوزراء المغربي والأمين العام لحزب العدالة والتنمية يجالس السيسي مبعوثا من الملك المغربي، وكأنه لم ينقلب على إخوانه ولم يقتلهم في مذابحه التاريخية.

إذا كانت الحركة الإسلامية عاجزة عن توحيد نفسها والبقاء متماسكة، فكيف ستقدر على توحيد الأمة الإسلامية في دولة خلافتها الموعودة، والتي تمثل الغاية العظمى للحركة الإسلامية على هذه الأرض.

ثم وجدنا بعد ذلك فرع الحركة في تونس (حركة النهضة) برئاسة الشيخ راشد الغنوشي على ما له من ثقل فكري وتنظيمي في الحركة الإسلامية العالمية الأم، وجدناهم يؤكدون في توجه جديد على أنهم أصبحوا حزبا مسلما ديمقراطيا ولم يعودوا حزبا إسلاميا (هكذا قالوا)، كما أكدوا على إنهاء العلاقة التنظيمية مع الجماعة الأم.

وجاء بعد ذلك اتحاد المنظمات الإسلامية الأوروبية الذي يمثل فرع جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا ليؤكد على فك الارتباط مع الإخوان، وعلى أنه منظمة أوروبية خالصة ترفض أي وصاية قيادية أو توجيهية من خارجها.

وعشنا في ذلك موسم التبرؤ من الإخوان، ولقد رأيت في ذلك_وما زلت أرى_ شرا كبيرا على الحركة الإسلامية ومشروعها، فإذا كانت الحركة الإسلامية عاجزة عن توحيد نفسها والبقاء متماسكة، فكيف ستقدر على توحيد الأمة الإسلامية في دولة خلافتها الموعودة، والتي تمثل الغاية العظمى للحركة الإسلامية على هذه الأرض. وقلت في ذلك وما زلت أقول: إذا ما عجزت الحركة الإسلامية عن الأقل فهي عن الأكثر ستكون أعجز.

وإذا ما قال قائل: هذا كله من باب التقيّة السياسية والخداع الظاهري.. فإني أرد عليه: يبدو أن ذلك كله يأتي في إطار مراجعات حقيقية لهذه الفروع، واستثقال لبقاء هذا الثقل التنظيمي بالارتباط بالجماعة الأم، وإذا كان تقيّة وخداعا ظاهريا على غير الحقيقة، فهذا أيضا مما يُحدث اللبس والاضطراب في نفوس الأتباع والمريدين، فإن أهم ما كانت تقدمه الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمون) هو ذلك البعد العالمي في فكرها وتوجهها وغايتها وتنظيمها، وإذا ظهر للأتباع أنها تفقد ذلك أو تماري فيه فإن ذلك سيفقدها الكثير من القوة الروحية والتنظيمة والعددية، وقد كان يكفي هذه الفروع تقيّة أن تؤكد على أنها فروع لجماعة الإخوان المسلمين غير أنها تنظيمات محلية تلتزم بمؤسساتها القيادية الداخلية، وتبقى علاقتها بالإخوان المسلمين وفروعهم المختلفة في إطار التشاور والنصيحة لا غير.

حُذف من الوثيقة الجديدة التعريف الموجود في وثيقة التأسيس الأولى والذي كان ينص على أن حماس فرع لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. 

ثم جاءت وثيقة حماس، وبدأت التسريبات، وكان أول ما تطرقت إليه هذه التسريبات هو فك الارتباط التنظيمي بين حماس وبين جماعة الإخوان المسلمين. ثم أُعلن رسميا عن الوثيقة، والتي بالغ البعض في الحديث عن أنها انطلاقة ثانية للحركة، في حين أنها لم تحمل أي جديد إلا في النقطة المتعلقة بارتباطها بالإخوان.

تحدثت الوثيقة الجديدة عن القبول بدولة على حدود 1967، ولم يحمل ذلك أي جديد في موقف حماس، فقد بدأت حماس منذ فترة في التصريح بذلك على ألسنة قادتها، حيث التأكيد على فلسطين التاريخية مع القبول بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. وكان الأولى أن تظل هذه النقطة غير مذكورة في الوثائق الأصولية، لأنها قضية سياسية متغيرة تتعلق بالممكن والمتاح، مع التأكيد في الوثائق الأصولية على فلسطين التاريخية وعدم التنازل عن أي شبر منها.

وحول الحديث عن أن الوثيقة الأولى كانت تتحدث عن العدائية لليهود، وأن الوثيقة الجديدة تؤكد على أنه لا عداء مع اليهود كأتباع دين، وأن العداء مع الصهاينة المحتلين، فهذا أيضا مما لا جديد فيه البتة، فإن كانت الوثيقة الأولى قد تحدثت عن العداء مع اليهود، فإنما كانت تقصد اليهود المحتلين على أرض فلسطين، وهذا من المعلوم في توجه حماس بالضرورة، ولم يتحدث أحد مطلقا من قبل ولا حتى سيتحدث أحد من بعد على أن حماس كانت تعادي اليهودية كديانة واليهود كأتباع دين.

إن كانت حماس قد اعتمدت التقيّة السياسية والخداع الظاهري في الحديث حول نهاية علاقتها التنظيمية بالإخوان، مع بقاء هذه العلاقة في الخفاء، فإن هذا مما يثير الشك والريبة والاضطراب.

لم تحمل الوثيقة أي جديد يُذكر فيما يتعلق بالمقاومة ومشروعيتها ورفض التوطين وحق العودة وفكرة الوطن البديل. لم تحمل جديدا إلا فيما يتعلق بالموقف التنظيمي من جماعة الإخوان، فقد حُذف من الوثيقة الجديدة التعريف الموجود في وثيقة التأسيس الأولى والذي كان ينص على أن حماس فرع لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. واكتفت الوثيقة الجديدة على النص على أنها حركة مقاومة إسلامية وطنية فلسطينية.

لم يكن واجبا على حماس أن تفعل ذلك، بل ولم يكن جائزا، لقد رضخت حماس في النهاية للضغوط مثلما رضخت غيرها من فروع الحركة الإسلامية في البلدان المختلفة، وإن كانت تعليقات وتفسيرات خالد مشعل وغيره من قادة حماس قد أكدت على أن حماس هي بنت مدرسة الإخوان المسلمين، وأنه ليس من الرجولة أن يتنكروا لرجال كثرت عليهم السهام، في إشارة واضحة للإخوان المسلمين في مصر.

إلا أن موقف حماس في النهاية يبدو رضوخا للضغوط، وإعلانا لفك الارتباط مع الإخوان ولو في الظاهر والوثائق المعلنة، ويبقى المستتر والمخفيّ في هذه العلاقة تحت دائرة التساؤلات والتأويلات.
هل ستقطع حماس علاقتها حقا بالإخوان كفرع من فروعهم التنظيمية ؟، فإن كان ذلك فقد أخطأت حماس ووضعت قدما على أول طريق الحيد والزيغ، وأول الطريق خطوة.

وإن كانت حماس قد اعتمدت التقيّة السياسية والخداع الظاهري في الحديث حول نهاية علاقتها التنظيمية بالإخوان، مع بقاء هذه العلاقة في الخفاء، فإن هذا مما يثير الشك والريبة والاضطراب في نفوس الأتباع والمريدين هنا وهناك، مع أنه لن يقدم ولن يؤخر في علاقة حماس بالأنظمة الإقليمية أو بالنظام العالمي، فعداؤهم للمشروع الإسلامي بالكلية عداء مستحكم وقائم ولن يتغير، وعداؤهم للإخوان المسلمين في القلب من ذلك، ولن يصبح العالم ذات صباح ليقول: لقد قطعت حماس علاقتها بالإخوان كما قالت، فهيا بنا لنعيد تكييف نظرتنا إليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.