ففي ديمقراطيات المجتمعات الحرة والمنفتحة يستطيع المرء أن يعبر عن رأيه بحرية كاملة حتى وإن كان يحمل أفكارا متطرفة طالما أنه لا يؤذي الآخرين فالشيوعية بألوان مختلفة تجدها على الساحة لها وجودها رغم أنه غير مؤثر ومتواضع ولكن المؤمنين بها يعتقدون أنهم أصحاب رسالة وبرنامج يؤمنون بعدالته وصلاحيته ويوما ما سيتحقق برنامجهم على الأرض وتختارهم الجماهير.
ورغم اختلافي معهم فإنني أحترم اجتهادهم وصراحتهم عندما تراهم في مظاهرات الأول من ماي يبشرون ببرنامجهم وأديباتهم.. بل وربما نعجب أكثر عندما يسمح القانون السويدي للنازيين الجدد بالتظاهر في إحدى المدن السويدية رغم أنهم يحملون هذا الفكر الذي ذاقت منه أوروبا الويلات والدمار.
إن أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبتها بعض الحركات الإسلامية في أوروبا هو ممارستها العمل التنظيمي من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم عادة على الشفافية والوضوح. |
وفي المقابل نرى بعض الحركات الإسلامية في أوروبا لا تجرؤ على التعريف بهويتها الحقيقية والأيديولوجية التي تحملها فتعيش هي وأفرادها حالة من الانفصام الهوياتي وخطاب خارجي لا يتطابق مع أدبياتها مختبأة خلف مؤسسات غير أيديولوجية مع العلم أن الكثيرين يعلمون أن أعضاء هذه المؤسسات ينتمون لحركة اسلامية أيديولوجية بعينها.
هذه الحالة التي تعيشها العديد من الحركات الإسلامية في أوروبا تفاقمت أزمتها مع تراجع نجم الإسلاميين في بلاد الربيع العربي وخاصة في مصر بالإضافة إلى تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا. هذا اليمين المتطرف الذي يقتات في كثير من خطاباته على التحذير من خطر أسلمة أوروبا من قبل الإسلاميين وخاصة بعد تزايد أعداد اللاجئين المسلمين.
إن لتواجد الحركات الإسلامية في أوروبا منذ عقود يمكن أن يعطيها فرصة تاريخية لتطوير الفكر الإسلامي ليس في أوروبا فحسب وإنما في العالم أجمع، فكرا يقوم على الحرية والعدل والكرامة والمساواة والتنوع ففي أجواء الحرية والاستقرار تنمو الأفكار المبدعة والفعالة متفاعلة مع الأفكار والتجارب الأخرى.
إن أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبتها بعض الحركات الإسلامية في أوروبا هو ممارستها العمل التنظيمي من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم عادة على الشفافية والوضوح في البرامج والأهداف والرؤى والتي تعتبر فرصة لممارسة العمل الديمقراطي والمجتمعي.
نرى بعض الحركات الإسلامية في أوروبا لا تجرؤ على التعريف بهويتها الحقيقية والأيديولوجية التي تحملها فتعيش هي وأفرادها حالة من الانفصام الهوياتي. |
إن العمل التنظيمي بشكله التقليدي في البلدان التي تنعم بالحرية مثل أوروبا هو مقبرة للإبداع والمبادرة.. ولذلك فنادرا ما تجد في أوروبا مفكرين مسلمين يبحثون عن قراءات ومقاربات جديدة اللهم إلا المفكر طارق رمضان وباحث هنا أو هناك فأجواء الإبداع والتفكير تحتاج إلى منظومات حرة تجعل الإنسان يحلق في فضاءات القراءات والأفكار المختلفة وليس فقط لونا واحدا من الأفكار.
إن بعض التنظيمات والحركات الإسلامية التي حطت رحالها في أوروبا تريد أن تجعل الناس لونا واحدا ورأيا واحدا وفتوى واحدة وبذلك يذبل الحوار والنقاش وإعمال العقل في الابتكار والابداع سواء لدى الأفراد أو الجماعات لتصبح الاقلية المسلمة جزءا خاملا بليدا في مجتمع يعج بالحركة.
لقد آن الأوان لهذه الحركات أن تخرج إلى السطح وتقوم بمراجعات بنيوية فكرية في عملية تغيير شاملة منطلقة من الواقع الأوروبي ومتفاعلة مع مكونات المجتمع جميعا ولن يحصل هذا بدون حراك ثقافي فكري يشمل مختلف مكونات الأقلية المسلمة في أوروبا أفرادا وجماعات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.