شعار قسم مدونات

زخة عِتابْ

blogs-سوء معاملةالمرأة
سمها زخة أو رشة أو ما شئت مما تتمناه لنفسك من الآخرين.. غاية الأمر أن تصل بلطف إلى الآخرين ممن تحبهم فتعاتبهم.. الإنسان بطبعه ينزع نحو الكمال؛ فمن ذا يرى نفسه صغيرا أو يتقبل أن يراه الآخرون صغيرا، ولا أحد يجد أنه محتاج إلى النقد أو التصويب إلا ما ندر، بل إن الخدش في جدار الذات هو من أشد أسباب العداوة التي لا يمكن أن تبرأ بيسر وسهولة، حتى وإن كان في النقد أو العتاب أو اللوم حق، ضع نفسك أمام الآخر دائما؛ كم من العتاب تتحمل وكم من اللوم يمكن أن تمرره دون أن تحمل في نفسك على اللائم!

اجعلها زخة وتخيل زخة المطر وعذوبته ونزوله على القلب بردا وسلاما.. اجعلها زخة وتذكر حجم زخة المطر.. وتذكر كيف لو طال وزاد عن حده المطلوب، دعها زخة ولتستحضر أنفك زخة العطر بجمالها وأريجها وأثرها على نفسيتك وفعلها الأخاذ في معنوياتك.. ليكن عتابك زخة كما تحب أن تتلقاه من غيرك زخة؛ فقد جبلت النفوس البشرية على حب من يكبرها لا من يعاتبها.

اجعلها زخة عتاب كرشة الملح تصلح ولا تفسد.. تعطي للطعام مذاقه ولا تحوله إلى ملح يحتاج إلى طعام.. لتجعل شفيعك إلى من تعاتب الحب فهو سببه ودافعه.

"وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"، ما أجمل التعميم في الآية "حسنا" أي حسن كان، لا تحقرن من المعروف كلمة جميلة، حتى التعامل مع… الكافرين أوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهم "وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا" حتى عتابه مع زوجاته عليه الصلاة والسلام مدحه الله وأثنى على بعض تغافله "عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ "، وتشريع الله في القول عدم الجهر بالسوء "لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ".

زخة عتاب أولى أن تثمر حسنا وأن تعالج خطأ أو تقصيرا؛ وهذا ما ترجوه لا عتابا جارفا يترك أثرا عكسيا لا ترجوه، ولا يرجوه من تعاتب.. النفوس الجميلة تعرف المداخل الجميلة إلى غيرها.. وتعرف مفاتيحها.. القلوب أقفال مفاتيحها الكلمات التي قد تكون عبارة للقارات وتفعل فعل السحر.

تخيل لو أن كل الناس قللوا العتاب فيما بينهم أو اضطروا إلى العتاب فجعلوه زخة لا سيلا جارفا كيف سيكون حالهم؟ أنت لا تحتاج أن تعاتب لتنتصر أو لتثبت حقا، عاتب لتقترب ولتصلح ما فسد سترى كم من الجمال في روحك وأسلوبك ستحتاجه لتقبل على من تعاتب.. أنت لا تحتاج أن تجتاح فلست في حرب؛ بل في مهمة قلبية لها أدواتها التي لا تجرح.

ومن الحقد ألا تعاتب، ومن المروءة ألا تكثر في العتاب، وتخير ما تريد أن تكون عليه. وقبل عتابك ضع بسمة صادقة جميلة على شفتيك لترتسم على شفتي من تعاتب فيصبح عتابك بلسما لا علقما.. ضع مقبلات لنقدك حتى يستسيغه سامعك.

زخة عتاب معادلٌ جميل لتحولٍ جميل في نفسك أولا قبل أن يتم في نفس الآخر. زخة عتاب تعني مرة واحدة كناية عن التقليل.. وحبذا لو وضعت مكان العتاب التغافل فهو ألطف عقار وأفضل معين؛ ولا تتبع التفاصيل: "إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه".

لا خلاف في أننا لا نعاتب إلا من نحب، أما من لا نحب فلا يعنينا أن نعاتبه؛ غير أن أسلوب العتاب وكثرته قد تذهب الود ولذلك قيل:

أُعَاْتِبُ ذَا المَوَدَّةِ مِنْ صَدِيْقٍ *** إذا مَا رَاْبَنِيْ مِنْهُ اجْتِنَاْبُ
إِذَاْ ذَهَبَ العِتَاْبُ فَلَيْسَ وِدٌّ *** وَيَبْقَى الْوِدُّ مَاْ بَقِيَ الْعِتَاْبُ

اجعلها زخة وتخيل زخة المطر وعذوبته ونزوله على القلب بردا وسلاما.. اجعلها زخة وتذكر حجم زخة المطر.. وتذكر كيف لو طال وزاد عن حده المطلوب.

كم تحب أن تكون نسبة الملح في طعامك؟ ولو زاد عن هذه النسبة التي تريدها هل تستسيغ طعامك؟
هل يعني ذلك أن الملح غير مهم؟ لا، لكن كثرته تفسد أهميته وتذهب بها.. نحتاج أن نقدر الأمور بقدرها "قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا".

اجعلها زخة عتاب كرشة الملح تصلح ولا تفسد.. تعطي للطعام مذاقه ولا تحوله إلى ملح يحتاج إلى طعام.. لتجعل شفيعك إلى من تعاتب الحب فهو سببه ودافعه، وحتى تكون هناك أرضيه تتقبل ما تسكبه فيها من زخة صافية ندية.

ولا يعني بأية حال أن كمية العتاب دليل على كمية الحب ولا جدال في قول شوقي: "على قدر الهوى يأتيك العتاب"، فذلك شان آخر، وللشعراء وديانهم لا يهيم معهم فيها غيرهم. وكما أن العتاب زخة فكذلك التذكير به يجب أن يكون زخة حتى لا تبتل أذهاننا مللا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.