الإعلام البديل هو إعلام منفرد يجعل جميع من يتعامل به صاحب قلم ويعبر عن رأيه في القضايا المختلفة حسب فهمه وعلمه، منذ اليوم الأول الذي عقدت فيه حماس مؤتمرها الخاص بإعلان الوثيقة وأنا أتابع صفحات الأصدقاء وآرائهم حول ما جاء في الوثيقة فأجد العجب العجاب وكأنك في معركة إعلامية كبيرة، لكن ما لفت انتباهي ودعاني لأكتب في هذا الموضوع هو مستوى عدم الفهم لدى الكثير.
هل هذه حقيقة أم خيال، أم أن الفهم أصبح مغلوطاً، أو ليس من صفاتهم، فتحزن تارة وتبكي تارة أخرى على ما ترى وتقرأ؟
الجاهل الذي لم يتدرج في تعليمه ولم تسمح له الفرصة أن ينال ذلك القسط من المعرفة لا عذر عليه فيما يكتب فهو جاهل، لكن أن ترى متعلم ويحمل شهادة عليا أحياناً غير فاهم لما يقرأ فهنا المشكلة، بل المصيبة الكبرى أن يكون ذلك المتعلم هو الجاهل بكل ما تعنيه الكلمة.
وثيقة حماس منذ اللحظة الأولى للمؤتمر الذي عقده الأستاذ خالد مشعل والتي ذكر في مقدمة ذلك المؤتمر أمران غاية في الأهمية وهما عبارة عن فكرتين مفتاحيتين لفهم الوثيقة:
– الفكرة الأولى لفهم الوثيقة: أن حماس حركة حيوية متجددة تتطور في وعيها وفكرها السياسي كما تتطور في أدائها المقاوم.
– الفكرة الثانية لفهم الوثيقة: أن حماس تقدم نموذجاً في التطور والانفتاح والتعامل الواعي مع الواقع دون الإخلال في أصل المشروع واستراتيجياته ولا الثوابت والحقوق الوطنية لشعبنا. وهذا هو الأصل في فهم الوثيقة أن تتطور سياسياً دون أن تفقد أصالتك أو أصل مشروعك الوطني.
فرق بين من يعطي عدوه ويبقى يعطي حتى أنه لم يُبقَ شيء، على من لا يعطي ولن يعطي عدوه أي شيء. |
للأسف ومنذ أعلنت الوثيقة، ترى الفتاوي والتصريحات والاتهامات تكال إلى حماس، ترى من يتهمها بأنها اعترفت بإسرائيل وأنها باعت الوطن وتنازلت عن القضية وضيعت الثوابت، فهم كالمثل القائل (رمتني بدائها وانسلت) فاللمز والهمز لم يتوقف على ما جاء في الوثيقة.
اتهم الكثيرين ممن يتمنون أن يكون الجميع مثلهم بأن حماس تنازلت عن القضية وفرطت بالثوابت وفعلت ما نكرته على الآخرين منذ عشرين عاماً، وكأنهم يعترفون ويقرون أن ما فعلوه هو تنازل عن الثوابت وبيع للوطن وكان معظم حديثهم عبر مواقع التواصل بهذا الاتجاه فهل حماس تنازلت عن مبادئها فعلاً مثلما فعلوا سابقاً كما يدعون؟
الجواب مؤكداً بالنفي، لأن منظمة التحرير التي تقودها فتح وقعت الاتفاقيات وتنازلت بموجب ذلك عن أكثر من 70في المائة من فلسطين واعترفت بدولة الكيان الصهيوني وتنازلت عن الكثير من الثوابت ومنها عودة اللاجئين وألغت ميثاقها الوطني بلا مقابل فهي أعطت كل شيء دون أن تحقق أي شيء. حماس بوثيقتها لم تعطِ شيء ولم تتنازل عن الثوابت أو القيم حتى أن "أبو الوليد" لم يتنكر من ارتباط حماس بالإخوان المسلمين التي افتخر بدراسة أفكارها.
الدولة على حدود 1967 التي يدعون أن حماس بذلك تنازلت وقدمت للكيان ما لم يقدمه غيرها قد رُحب بها قبل عشرين عاماً من قبل الشيخ الشهيد أحمد ياسين، فهي ليست وليدة اليوم فتحرير أي شبر من تراب فلسطين هو مطلب لا يختلف عليه وطنيان، لكن على ألا تعترف بعدوك وتثبت وجوده على أرضك، فقد تغيرت حماس بأفكارها وسياساتها لكن دون المساس بالثوابت، غيرت حماس من رؤيتها واستراتيجياتها السياسية لإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني لكنها تطورت مع ذلك في سلاحها الذي تقاوم فيه.
حماس غيرت من نظرتها للمنظومة الدولية لكنها لم تقدم أي تنازل لتكون في المحافل الدولية، قدمت الوثيقة رؤية واضحة وشاملة بسياسة متوازنة بين العمل السياسي والعمل المقاوم وهذا هو الاختلاف. نعم فرق بين من يعطي عدوه ويبقى يعطي حتى أنه لم يُبقَ شيء، على من لا يعطي ولن يعطي عدوه أي شيء، لكننا نعذر إخواننا، فالمصلحة والرزق تحتاج أن نقول ونتهم الآخر بما ليس فيه وهنا الفهم الصحيح.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.