جميلة تلك اللحظات التي يقرر فيها المرء تناول قدح من الشاي، سريعة كلمح البصر تمضي الدقائق في حضرته، كحالها دائما مع الأشياء الجميلة، فقدح شاى واحد كفيل بانتزاعك من مرارة الواقع وضيقه إلى جمال الخيال ورحابته، تغنى به الشعراء فقال فيه الشاعر أحمد الصافي -الذي وصفه العقاد بأنه أكبر شعراء العربية- "إذا صب في كأس الزجاج حسبته.. مذاب عقيق صب في كأس جوهر.. به احتسى شهداً وراحاً وسكراً، وأنشق منه عبق مسك وعنبر".
وفى اكتشاف الشاي تتعدد الروايات، من بينها تلك الرواية التي تقول، إن امبراطوراً صينياً منذ آلاف السنين، كان دائما يأمر خادمه بغلي الماء قبل أن يقدمه له، لما في ذلك من فوائد عدة، وفى ذات مرة خرج الامبراطور بصحبة جيشه، إلا أنهم توقفوا عند شجرة لالتقاط الأنفاس، وهنا أمر الامبراطور خادمه بغلي كأس ماء، وأثناء إعداد هذا الكأس، سقطت ورقة من الشجرة التي استظلوا بها، في كأس الماء دون أن ينتبه لها الخادم، فغيرت لون الماء ورائحته ومذاقه، ما جعل الامبراطور يعجب بطعم هذا المشروب الجديد، وبدأ منذ حينها في شرابه، وفى رواية أخرى فإن الامبراطور كان مهتما برعاية الأعشاب وجمعها في حديقته، ومن بينها أوراق شجرة الشاي، وفى إحدى المرات نقلت الرياح إحدى أوراق شجرة الشاي إلى الماء المغلي الذى كان يفضله الامبراطور، فتحول لون الماء وتغير طعمه ورائحته، وأيا كانت الرواية فإن القدر لعب دوره في اكتشاف هذا المشروب الساحر.
وفى أوروبا يشار إلى أن هولندا احتكرت زراعته لفترات طويلة وكانت تصدره إلى باقي دول القارة بأسعار مرتفعة جداً، فكان للأغنياء فقط، وبين العرب فإنه قد جاء ذكر الشاي في كتب البيروني، الذى قال إن الصينين كانوا يشربون مشروباً ذهبياً يسمى الشاي، وفى مصر لا يعرف تاريخاً محدداً لدخوله البلاد، إلا أنه كان يقتصر في البداية على الطبقة الثرية، هذا قبل أن يصبح المشروب الرسمي لفقراء الوطن!
ما أعرفه أن في أعماق قدح من الشاي تكمن سعادتي، من قطراته أستمد توازني، لا يكتمل يومي إلا به، ولا عملي إلا في حضرته، ولا يحلو لجلسات الأصدقاء مذاق دونه، لا أعرف ما السر في هذا العشق الكبير! |
في مصر لا تكاد تخلو جلسة إلا والشاي قوامها الرئيسي، حتى أنها تعتبر من أكثر الدول العربية استهلاكاً له، وقد نقل أحد المواقع الالكترونية تصريحا لمسئول في شركة تصدير للشاي في كينيا، قال فيه، إن الشركة وحدها تخصص نحو مليوني كيلو جرام لمصر شهريا، يقول الكاتب سعيد عبد الرحمن في مقال نشرته الأهرام في يونيو 2013، إن مصر يمكنها زراعة الشاي وبأنواع جيدة، وأن تجربة ناجحة لزراعته جرت بمحافظتي المنوفية والقليوبية بمعرفة خبراء معهد البحوث الزراعية، إلا أن المصالح الشخصية كانت سبباً في وأد التجربة في مهدها بحسب الكاتب.
لا أعبأ بكل الدراسات التي تشير إلى أضراره وخطورته على صحة الإنسان، ما أعرفه أن في أعماق قدح من الشاي تكمن سعادتي، من قطراته أستمد توازني، لا يكتمل يومي إلا به، ولا عملي إلا في حضرته، ولا يحلو لجلسات الأصدقاء مذاق دونه، لا أعرف ما السر في هذا العشق الكبير!، حتى أنى تمنيت لو أن نهراً من الشاي بحجم النيل يمر في بلادي!
للشعب المصري مزاج خاص، ومن أهم المؤثرات في هذا المزاج هو الشاي، حتى أنه في مصر، إن كنت عازماً، فلتعزم على قدح شاي أو لتصمت!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.