دأب قطاع عريض من الشباب المصري في الآونة الأخيرة على مهاجمة بلدهم بدافع الحنق والإحباط من الأوضاع الراهنة وكثير من هذا الهجوم كان من نصيب التاريخ المصري بدعوى أنه لا يحمل أية إنجازات على المستويين السياسي والعسكري يكون مرجعه إلى الشعب المصري نفسه. بل إنني فوجئت بأحد الباحثين المحترمين مهاجماً التراث الحضاري المصري وإسهامه في التاريخ الإسلامي ومقارنته بالقطرين الشقيقين في العراق والشام.
هذه المشكلة تتكون أساساً من عدم تحديد ماهية ما يطلق عليه مصري بالأساس هل هو العرق القبطي القديم الممتد من الفراعنة؟ أم هو داخل فيه كل أولئك الذين مروا على مصر واتخذوها وطناً لهم فرادى كانوا أم جماعات وقبائل مهاجرة بأعداد غفيرة، فأثروا في المكون الثقافي المصري حتى استحال إلى ما هو عليه في الزمن الراهن.
من العجب أن أمماً حديثة النشأة لا يوجد بين أفرادها رابطاً يذكر، يمكن عزوه إلى دين أو قومية أو ثقافة بعينها قد نجحت في استصناع هذه الجامعة الحضارية التي تربط أفراد شعبها برباط واحد. |
النظرة الشمولية للمصطلح على هذا النحو سوف تعزو تلقائياً كافة الأحداث التي مرت على البلاد إلى المكون المصري ثقافياً وحضارياً، المصريون بصفة عامة ليسوا أهل سياسة وحرب بقدر ما هم أهل فن وصنعة ولعل هذه الصفة تكتسب بالتوارث بحكم البيئة المستقرة بجوار النيل والإقامة الدائمة على رعاية الأرض والحرث.
الواقع أن التركيبة السكانية لقاطني مصر قد طرأ عليها التغيير بعد الهجرات الجماعية للقبائل العربية إلى القطر المصري فتغير جزء كبير من التركيبة السكانية إلى الطابع العشائري المميز للمجتمعات الرعوية والتي تمنح أفرادها بحكم تكتل العرق داخل مساحة جغرافية ضيقة قوة عسكرية قد يكون رقماً مضافاً إلى القوة العسكرية للدولة أو قد يكون رقماً سلبياً في حال حدوث الثورات والتمرد ضد السلطة المركزية في العاصمة.
على هذا الفهم لم يكن هناك ما يصطلح عليه بالعسكر المصري بمنأى عن العسكر العام الذي يحرس الدولة وذلك بحكم أن العشائرية العربية التي يتكون منها هذا العسكر لا يمكن تميزها عن محيطها بالأقاليم المجاورة في الحجاز والشام والعراق إلا في معرض التقاتل المباشر بين حكام هذه الأقاليم وبعضهم البعض بدافع التنازع على السلطة.
إن أولى خطوات تكوين إرادة النهضة يكون بالتصالح مع الذات وتناول صفحات التاريخ بأسلوب جلد الذات لا يجدي نفعاً على المستوى الفردي أو الجماعي. فلا يستقيم عقلاً ولا منطقاً أن يتصدى للنهضة وريادة الأمم من يخجل من ذكر تاريخه حتى وإن كان ذلك التاريخ يحمل شيئاً من العار أو الانحطاط الأخلاقي.
ومن العجب أن أمماً حديثة النشأة لا يوجد بين أفرادها رابطاً يذكر، يمكن عزوه إلى دين أو قومية أو ثقافة بعينها قد نجحت في استصناع هذه الجامعة الحضارية التي تربط أفراد شعبها برباط واحد، فتأصيل هذه الأصول لدى بلد تحوي هذا الرباط من باب أولى وهو موجود بالفعل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.