انتشر الإسلام على أجساد أناسٍ جبارين وصادقين، وخالف كل التوقعات، لأنه الحق، تماماً كما انتشرت الثورة على أجساد أناسٍ صابرين وراغبين بإحلال العدل، وخالفت كلّ التوقعات لأنها الحق. قضى الرعيل الأول من أولئك الرجال الجبارين، ولحق بهم الثاني والثالث، حتى بدأ الناس بالفتور والتعامل مع الأمر بشكلٍ يشبه العادة.. فالصلاة أصبحت عادة، والصيام أصبح طقساً وعادة، والحجّ نزهةً وعادة، وحبّ الخير للغير نوادر وحكايات.
كذلك هم أبناء الثورة الثانية، غرِق معظمهم في مستنقعاتٍ معدّةٍ مسبقاً لأجلهم، وتعلّقوا بحبلِ الغربِ المسموم، ومارسوا الظلمَ الذي استنشقوه لعقود. |
وقُتِل الرعيل الأوّل من أولئك الرجال الصابرين، واعتُقل الثاني ونُفيَ الثالث، حتى بدأ الناس بالفتور أيضاً. فمعظم أوجه ونواحي هذه الثورة أصبح عادة، فأصبحنا ننتقي أجمل الصور للقتلى والمعذبين، ونطعم الجائعين تحت أنظار العدسات، ونجري عملية جراحية مدفوعة الأجر، وكل ذلك كان ومازال، سواءً بفعل الزمن أو القهر المضاعف أو تكرار المكرّر من ألاعيب شياطين الإنس والجنّ الذين يترأسون اجتماعاتٍ لا حصو لها " لإحقاق الحق" كما يزعمون، بينما لايزالون يعترفون بمعاقٍ فكريّ يقطن منزلاً مدمراً بُنيَ على عظام أهل تلك الأرض.
غرِقَ أحفاد الثورة الأولى تحت تكاليف زمنٍ ليس بزمنهم، وتحت غبارِ مؤلفاتٍ لا تعود لهم، وتحت أسقف أيديولوجياتٍ أُبدِعت لتزيدَ من عُمقِ سباتهم.. فلا هم يذكرونَ أمجادهم فينفضون الغبار عن قلوبهم، ولا هم يُدركون عظمةَ ما خُلقوا له فينهضون من أحضانِ عبثية واستخفاف القاصي والداني لهم، ولا هم يقرؤون كتابهم المقدس فيدلهم على سواء السبيل..
كذلك هم أبناء الثورة الثانية، غرِق معظمهم في مستنقعاتٍ معدّةٍ مسبقاً لأجلهم، وتعلّقوا بحبلِ الغربِ المسموم، ومارسوا الظلمَ الذي استنشقوه لعقود، الظلم الذي اتحدوا في أوج ثورتهم لرفعه عن رقابهم.. فلا هم يتوضؤون بماء الياسمين الذي غُسّل به شهداؤهم فترتدّ إليهم عهودهم، ولا هم ينصتون لصوت الحق داخلهم والذي ملأ أزقة عروقهم في مظاهراتهم فيسير العبق داخلهم من جديد، ولا هم يعودون لكتاب ثورتهم المقدس فينير ظلمة وضيق الطرقات التي رُسِمت لهم، ولا هم يجتثّونَ من وُلّيَ عليهم كما اجتثّوا الخوف من مستبدهم فيقترب حلمهم ونصرهم..
ومع ذلك، كلّنا أملٌ بالنهوض لكلا الثورتين، فأناسٌ وُعِدوا بالخيرِ حتى قيام الساعة لن يموتوا، وأناسٌ وُعِدوا بملائكةٍ تبسط أجنحتها فوقهم لن يُهانوا من جديد، والذي وعدهم هو ذاته من أوحى وألهم، الله سبحانه وتعالى. فكما كان الرسول رسول السلام والحق، كذلك هم أطفال درعا، رُسلُ العدل والحق.. فمن آمن بالرسول قبل الموت كان بمأمن، ومن التحق بالثورة قبل الموت كان بمأمن.. رُفِعت الأقلام وجفّت الصحف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.