كنا ونحن صغار ندرس الوحدة العربية التي هي وهمٌ كأوهام كثيرة في حياتنا؛ إذ إن الأنظمة العربية الحاكمة هي وليدة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بعد اختفاء الامبراطورية الإنجليزية التي ما كانت تغيب عنها الشمس – كما زعموا- وبالأصل كانت تغيب عنها، والامبراطورية الفرنسية التي طبّقت بأنيابها على الشمال الإفريقي و بلاد الشام. فالوحدة العربية عند هذه الكيانات، إنما هي شعارٌ لتغطية السوأة من كونهم كانتونات صغيرة، رسمتها بريطانيا وفرنسا، وأقرتها روسيا والولايات المتحدة بعد ذلك.
إن التنظير لهذه القومية العربية بالأصل كان تنظيرا عنصريا على يد نصارى الشام ممن رأى أن سلطة العثمانيين تعد قيدا على أعناقهم، ونيرا على كواهلهم. |
كما أن الجامعة العربية التي أنشئت في الأربعينيات، كانت بتوجيه من بريطانيا أصلا، ولم تكن من تلقاء أنفسهم؛ بل أمليت عليهم، ولو أنهم سمعوا لقادة الفكر والرأي وقتها لتبعوا مشروع الجامعة الإسلامية التي نادى بها الأفغاني وعبده، وحمل المشروع فترة من عهده السلطان عبد الحميد الثاني ـ رحمه الله ـ .
كما أن التنظير لهذه القومية بالأصل كان تنظيرا عنصريا على يد نصارى الشام ممن رأى أن سلطة العثمانيين تعد قيدا على أعناقهم، ونيرا على كواهلهم، وهذا فنده الأديب اللبناني الشعبي "سلام الراسي"، فأشاد حتى بأيام الانحطاط العثمانية في عهد الخليفة الأخير للدولة العثمانية، والذي كان (قراقوز) في يد جمعية الاتحاد والترقي.
ولما طُبقت هذه الوحدة كأول تطبيق لها بعد هذا التنظير الشائه العنصري، طبقت في الحجاز مهد الإسلام على يد أحد الهاشميين وهو شريف مكة الشريف "الحسين بن علي" الذي كان يطمح لتكوين خلافة عربية تكون على نحو فيدرالي مستقل؛ إلا أنها لم تتم؛ فهذا الوهم مثل المخدر، سكن ما به من ألم لفترة، ثم عاد الألم ينخر في جسد العروبة الوهمية لتتقاسم انجلترا وفرنسا ممالك العرب. كما تهيمن عليها الولايات المتحدة اليوم هيمنة لا انفكاك منها، ولا حراك.
فأنا أفرح وأسعد بالاطمئنان على أسرتنا الإسلامية والعربية في شتى بقاع الأرض هنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأمثالها، فهذا التواصل، والاتصال واجب قبل أن يكون تسلية، وهذه ليست علاقات (فيسبوكية) افتراضية؛ بل سنُسْأَل عن هذه "الأسرة" ما موقعنا منها؟ وما هو ما أسديناه لنخدم قضايانا.
وسنُسْأَل عن هؤلاء الذين غيبهم التاريخ، وابتلعتهم بطون الكتب بداية من المورسكيين المضطهدين ونهاية بكل هؤلاء الذين نعايشهم ونرى ما بهم، هذا هو مقتضى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). وإذا كنا نرى أن بعثنا لصفحات ومشاهد التاريخ إنما هو تخليد منا لأجدادنا ممن نكب في الأندلس أو فلسطين… إلخ وكذلك عدم نسياننا لهم؛ فهذا معناه أن ذاكرة وعينا ليست مقدرة بعمرنا القصير بل بعمر الأمة؛ بل نحن أفراد بعمر حضاري كبير أساسه العمل وأسه الوعي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.