شعار قسم مدونات

الصراع على زعامة العالم الإسلامي بين مَنْ ومَنْ!!

nazi-salute

تبدأ المشكلة من عنوان المقال، وهو أن الحاكم العسكري الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري يظن أنه يستطيع تزعم العالم العربي أو الإسلامي بنفس الطريقة، وينسى أن سلطته لا تتعدى حدود قاعدة عسكره. والحاكم الذي وصل إلى السلطة بالوراثة على الطريقة العشائرية يظن أن جاهه يؤهله لتزعم العالمين العربي والإسلامي، ويغفل عن أن سلطته لا تتعدى حدود مرعى قبيلته.

والحاكم الذي وصل إلى السلطة بانتخابات مزورة ونشاط مخابراتي مسبوق النظير يظن أنه قادر على شراء زعماء الدول العربية والإسلامية الأخرى بالمال والنساء والعمل المخابراتي القذر ليتزعمهم بانتخابات مزورة، ولا يسعفه تفكيره ليستنتج أن الفاسد الذي سيقبل تلك الإغراءات يملك أضعاف ما يملكه هذا الحاكم من دماء وأموال وأعراض شعبه المسحوق، فلم تعد تلك الأمور تشبعه أو ترضيه!!
وبغض النظر عن الوسيلة التي وصل بها إلى السلطة في بلده؛ هل هي صحيحة أم لا، فإن توجيه العالم يكون بـ "القيادة" ولا يكون بـ "الزعامة"!

مجرد شعرة تفصل بين أن تكون زعيماً أو أن تكون قائداً، وبين أن تهلك نفسك وتهلك شعبك معك، وبين أن تكون قائداً تحمي القادة الآخرين ويحموك، فيعيش الشعبان في رفاه ثابت.

ومتى اصطدم هؤلاء الحكام بواقع أنهم لم يخطوا خطوة واحدة بما يحقق لهم القيادة، فإنهم يلجؤون إلى المحتل القديم، أو "دولة الانتداب" كما يحلو لهم تسميتها، أو إلى "الاستعمار" كما يجملونه في منهاجهم الدراسية، وذلك رغبةً منهم في الحصول على الزعامة المؤقتة على وسائل الإعلام مدة أسبوع واحد فقط لا غير!! فيجمعهم المندوب السامي لدولة الاحتلال في حفلة صاخبة مزلزلة إعلامياً، ليثبت لهم أنه لن يتخلى عنهم، وأنهم الزعماء الحقيقيون للعالم الإسلامي، وأن الزعامة بيد مَنْ نضع عنده أقدامنا!!

وبعدها يعود الجنرال إلى معسكره ليقنع الشعب المسحوق أنه يعيش في جنة، ويعود شيخ القبيلة إلى غنمه ليقنعه أن مرعاه أخصب من مرعى شيخ العشيرة المجاورة، ويعود الحاكم بأمر الله وبأمر الفقيه المخابراتي إلى جواريه ليقنعهن بأن إرضاء نزواته ونزوات حاشيته عبادة يؤجرن عليها عند الله!!

ويستمر المندوب السامي في مخططه لحصار المنطقة؛ فيرسخ دولة طائفية في إيران، وشعل حرب أهلية في الصومال، ويسلخ العراق من أيدي أهله ليصبح منطقة صراع طائفي وفساد سياسي واقتصادي، ويحيد مصر بيد العسكر الذين يستحيل أن تعرف ماذا يريدون أو مع مَنْ يقفون، ويضع كل ثقله لسرقة اليمن من أهله ليجعل منه عراق أخرى، ويطلب دعم أولئك الزعماء أثناء احتفاله الصاخب ليؤيدوه في مخططه داخل سوريا، فيؤيدوه طمعاً في أن تبقى الزعامة بيدهم!!

وهكذا يصبح الطوق محكماً تمام الإحكام، ليخسر الحاكم العسكري مع الوقت معسكره، ويخسر شيخ العشيرة غنمه، ويخسر الحاكم بأمر الفقيه جواريه، فيقول بعد فوات الأوان كما قال أمين الحافظ من قبل: "والله ضحكوا علينا!!" ويبقى القادة الحقيقيون يركزون على معايير القيادة ويرسخونها، مهما كانت طريقة وصولهم للسلطة، ولا يعبؤون بالحفلة الصاخبة التي قام بها المندوب السامي للاحتلال؛ لأنها مجرد زوبعة في فنجان لا يتجاوز حدود المكان الذي حصلت فيه.

هذه المعايير هي:
1- صناعة ثقيلة تضمن تحولها من دول مستهلكة إلى دول منتجة.
2- صناعة عسكرية تضمن أن يكون دفاعها عن نفسها بيدها وليس بيد عدوها.
3- صوت إعلامي حر وقوي يتجاوز الحدود وينقل الحقيقة كما هي، لا كما يريدها العدو المحتل.
4- التحول من مفهوم الصراع على الزعامة إلى مفهوم التكامل في القيادة وتوجيه دفة الأمور، وهذا يحول الدول المتكاتفة إلى درع يقيها ويقي المنطقة ويلات الاحتلال الخارجي وعمليات القضم التي يشجعها المحتل في المنطقة.
5- التنافس التكاملي يقوي جوانب النقص في مجموعة البلدان المتنافسة، فيقوي كل دولة منها منفردةً على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية.
6- تَشَكُّل وضع أشبه بالكونفدرالية بين تلك الدول التي يحكمها قادة -لا زعماء-، فيجعلها مجتمعةً أقوى من أقوى دولة في العالم.
7- كل ما سبق يجعل حكام تلك الدول قادة حقيقيون أقوياء بشعوبهم وبتكاملهم مع القادة الآخرين، ولا ينافس أحدهم الآخر على الزعامة؛ لأنهم ليسوا زعماء يجلسون على عروش الوهم، ثم لا يخرجون بشيء!!

بخلاف الصراع على الزعامة الذي يجعلها تشارك في عمليات انقلابية في دول جارة وفي دعم الانقلابين خوفاً من بروز دولة قوية تنافسها الزعامة، وتخترق مواقع دولة جارة تفوقها في القوة الإعلامية وتهاجمها إعلامياً بشراسة خوفاً من أن يرتفع صوت تلك الدولة فوق صوتها، وتترك صفقات بينها لتعقد صفقات مع المحتل تفادياً لبروز قيادة في المنطقة تبدد أحلام الزعامة المتوهمة لديها.

مشاركة بعض القادة في احتفالات المندوب السامي الصاخبة مضطرين بسبب ضعفهم حالياً لا يعني بقاءهم على هذه الحال طويلاً، فهم يسعون لتحقيق معايير القيادة الناجحة لبلادهم وأمتهم، وسيكونون قريباً مع إخوتهم قادة لأمتهم العظيمة.

مما سبق نلاحظ أن الموضوع مجرد شعرة تفصل بين أن تكون زعيماً أو أن تكون قائداً، وبين أن تهلك نفسك وتهلك شعبك معك، وبين أن تكون قائداً تحمي القادة الآخرين ويحموك، فيعيش الشعبان في رفاه ثابت، وليس رفاهاً مؤقتاً متوهماً ليس له رصيد سياسي أو عسكري أو اقتصادي أو إعلامي، فيتقلب مع التقلبات المحلية والدولية في المنطقة والعالم.

من هذه المقدمة الطويلة نصل إلى سؤال عنوان المقالة:
هل الصراع على قيادة العالم الإسلامي بين أمريكا وروسيا؟!!
أم بين زعماء تلك الدول بعضهم بعضاً؟!!
أم بين أولئك الزعماء من طرف، وأمريكا وروسيا من طرف آخر؟!!
أم بين القادة من طرف، وأمريكا وروسيا من طرف آخر، ولا يمثل أولئك الزعماء الهلاميون إلا واجهات لأمريكا وروسيا؟!!

الخلاصة:
إنه مهما بلغ الصراع -بين القادة من طرف وأمريكا وروسيا من طرف آخر- ذروته، فإن الزعماء سيتحولون واحداً بعد واحد إلى قادة عبر الزمن، وسيزيد هذا قوة المنطقة وقدرتها على التحرر مع مرور الوقت، في حين تكون فيه أوروبا وأمريكا وروسيا قد بلغت مرحلة من الضعف تمنعها من المواجهة العسكرية الصريحة!! وحينئذٍ "سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" الشعراء: 227.

ومشاركة بعض القادة في احتفالات المندوب السامي الصاخبة مضطرين بسبب ضعفهم حالياً لا يعني بقاءهم على هذه الحال طويلاً، فهم يسعون لتحقيق معايير القيادة الناجحة لبلادهم وأمتهم، وسيكونون قريباً مع إخوتهم قادة لأمتهم العظيمة، التي لا يمكن حصرها في كوب قهوة أو فنجان شاي لجنرال أو راعي غنم أو قوَّاد!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.