فوطني لم يعد ذلك المكان الذي تحفظ فيه الكرامة وتشعر فيه بالهدوء والسكينة والأمن والأمان، ولم يعد تلك الراية التي ترفرف عاليا في السماء لتذكرك بأن ترفع رأسك لأنك في النهاية تنتمي لوطن يحميك ويتباهى بك كفرد من أفراده، ولم يعد ذلك الوطن الذي يستحق التضحية من أجله "على الأقل من جهتي" لقد أضحى وطني وطن النسيان والأحزان، وطن القهر والقمع، وطن فقدان الأمل، وطن البطالة والإقصاء، وطن "بّاك صاحبي" وطن قليل من الأغنياء وكثير من الفقراء.
تف على هذا الوطن! وألف تف مرة أخرى! على هذا الوطن إن لم يكن بنا كريما آمنا.. ولم يكن محترما.. ولم يكن حرا فلا عشنا.. ولا عاش الوطن! |
فماذا يعني أن تبلغ العقد الثالث أو الرابع من عمرك وأنت لا زلت عازبا وبلا مأوى. ما ذا يعني أن تحمل شواهد جامعية ودبلومات مختلفة باحثا عن العمل دون جدوى، وغيرك دون تحصيل علمي يتقلد مناصب حساسة، وماذا يعني أن تجد ميزان العدالة في وطن صيغ بمقاسات من جهة الضعفاء فقط، وما ذا يعني أن تجد مفردات العدل والمساواة والعمل والكرامة لا وجود لها في قاموس وطني، ففي وطني كل المستشفيات مليئة ما يوحي بأن الجميع مريض، وكل السجون مكتظة يستحيل أن تجد شبرا تنام فيه من شدة الزحام، وكل الأسواق الممتازة محتكرة، و.. و..
ولا عجب أن الشباب اليوم يقف طوابير أمام الحواسيب يملؤون استمارات قرعة أمريكا وغيرها من البلدان في حلم جماعي وتمهن هلامي بحثا عن وطن. أو بالأحرى عن تذكرة ذهاب بلا إياب أيا كانت الوجهة.
وتحت ضغط وإلحاح الحاجات الضرورية التي لا يمكن تأجيلها، فقد فقدت انتمائي لهذا الوطن وزاد معدل الكراهية تجاهه. وكما قال الشاعر:
تف على هذا الوطن!
وألف تف مرة أخرى!
على هذا الوطن
إن لم يكن بنا كريما آمنا
ولم يكن محترما
ولم يكن حرا
فلا عشنا.. ولا عاش الوطن!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.