ففي ظل الإسلام لم يكن هناك أي مشكلة بين القومية الكردية والعربية، بل على العكس كان هناك تكامل ومشاركة وتداول في قيادة الأمة الإسلامية بين القوميتين، وكان الكردي يشعر بأنه جزء من الحضارة الإسلامية وبالتالي يساهم في تطويره ويضحي لحمايته من العدوان الخارجي، وكان الكردي ينظر إلى اللغة العربية بقدسية لأنه لغة القرآن وبها يتعلم أحكام دينه ويتقرب إلى ربه ولم يكن يشعر بأي تعارض بين التمسك بقوميته والالتزام بدينه، وكما يقول الكاتب الكردي من تركيا مفيد يوكسيل (نحن نحب العرب لأنهم نشروا الإسلام وجلبوا لنا هذا الدين العظيم ) وهذه النظرة الإيجابية هي التي كانت سائدة في ظل الحكم الإسلامي للمنطقة.
البعض ينظر إلى القضية الكردية بمنظور عنصري خاطئ، ويجهل تاريخ نشوء القضية الكردية، ويعتبر الكرد أقلية، وهذا ما يزيد الشرخ ويتسبب في توجه الكردي لكيان مستقل. |
ولكن الخلافات السياسية هي التي أحدثت الشرخ والصراع الاجتماعي بين الطرفين وحاولت تمزيق المجتمع وإضعافه عن طريق إدخاله في حالة من الكراهية والانتقام وزرع الفتنة بين القوميتين، ففي ظل الأنظمة القومية وخاصة حزب البعث العربي الاشتراكي تسببت ممارسات هذا الحزب ضد المكون الكردي في ترك أثر سلبي عند الكرد تجاه المكون العربي وخاصة أن هذا الحزب كان يرتكب الجرائم بحق الشعب الكردي تحت شعار قومي حتى يكسبوا تعاطفا داخليا وخارجيا.
ولكن رغم هذه الحملات إلا أن العلاقات الاجتماعية في العراق على سبيل المثال لم تتأثر كثيرا وخاصة عندما ننظر إلى مدن مثل كركوك وبغداد نرى أن هناك فيها اندماج ثقافي ونموذج للتعايش والتآخي بالرغم من الممارسات الخاطئة للنظام العراقي السابق إلا أن الأغلبية العربية والكردية لم تسمح لهذه الممارسات بأن تفسد عمق العلاقات الاجتماعية الموجودة وحافظت عليها وحاولت دائما أن تزيد الروابط بينها.
والدليل أن أكثر من مليوني نازح عربي ذهبوا إلى كردستان العراق وأغلبهم قرر الاستقرار هناك لأنه لم يشعر بظلم قومي أو حالات عنصرية بل شعروا بأنهم يعيشون مع أهلهم وهذا كان بسبب النظرة الإيجابية للكردي الذي لم يحاسب العرب على جرائم لم يرتكبونه بل أصبح يفكر بالأمور المشتركة وطوي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة للمضي نحو المستقبل.
وفي سبيل زيادة التقارب والتعاون بين الطرفين من الضروري التخلص من النظرة الدونية الموجودة عند بعض الأطياف تجاه المكون الكردي الذي يعتبر نظرة خاطئة ولا يخدم محاولات التقريب والتقارب بين الطرفين ومنها: البعض ينظر إلى القضية الكردية بمنظور عنصري خاطئ ويجهل تاريخ نشوء القضية الكردية ويعتبر الكرد أقلية وهذا ما يزيد الشرخ ويتسبب في توجه الكردي لكيان مستقل حتى يثبت وجوده وقوته ويتخلص من تسمية (الأقلية) وبالتالي نقع في دوامة من الفعل وردة الفعل بسبب هذا الخطاب العنصري الموجود عند البعض وخاصة عندما يتبناه بعض وسائل الإعلام.
وأيضا من الخطأ الشنيع التعميم ومحاسبة العنصر الكردي على تصرفات فردية أو حزبية وتخوين القومية الكردية بالكامل والحكم على القضية بأنها باطلة، فالقضية الكردية أقدم من هذه الأنظمة والأحزاب الكردية الموجودة حاليا على الساحة وبالتالي من الضروري إعادة النظر في هذه النظرة وتصحيحها في سبيل إزالة كامل العقبات أمام التكامل والتقارب بين القوميتين في المستقبل القريب.
أكثر من مليوني نازح عربي ذهبوا إلى كردستان العراق، وأغلبهم قرر الاستقرار هناك لأنه لم يشعر بظلم قومي أو حالات عنصرية، بل شعروا بأنهم يعيشون مع أهلهم. |
ومن المهم أن نذكر أن الكثيرين يحترمون القومية الكردية ولكن بشرط أن لا تتحدث عن موضوع الدولة الكردية ولا تفكر في هذا الحلم، رغم أننا نرى أن هذا المشروع تقدم كثيرا وخاصة في كردستان العراق وأن هناك إقليم يتمتع بإدارة ذاتية وموارد اقتصادية وجميع المؤسسات الرسمية والشرعية وتمثيل دولي وإقليمي، ويتطور يوما بعد يوم في ظل ترقب دولي لاستفتاء على تقرير المصير والانفصال عن الدولة العراقية.
وبالتالي يجب أن لا يمنع هذا الموضوع التقارب بين القوميتين، بل يجب أن نعمل على تمتين العلاقات بين الطرفين حتى في حالة استقلال كردستان العراق تماما وانفصالها عن بغداد، فيجب على هؤلاء أن لا يحملوا نظرة سلبية للمكون الكردي بسبب وجود هذا التفكير عندهم لأن هناك أسباب واقعية تقف وراء تفكير الشعب الكردي بهذه الطريقة وحلمه بالاستقلال والدولة المستقلة ويمكن في المستقبل يحدث الاتحاد بين الطرفين عندما يعود العراق لأصحابها.
الخلافات السياسية خلافات عابرة ولكن للأسف تؤثر على العلاقات الاجتماعية، ولكن من الضروري أن ندرك أن الطرفان لديهم أمور كثيرة مشتركة ومصير مشترك وعليهم أن يعملوا بكل الطرق لإحداث تقارب أكثر ومنع إحداث الشرخ والفتنة فيما بينهم وخاصة بوجود أطراف تتبنى زرع الفتنة والتصعيد وتستفيد من وجود حالات الكراهية والتفرقة بين الشعوب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.