شعار قسم مدونات

أكلةٌ ثقافيّةٌ سريعة

blogs - books
العاقرُ فينا؛ من لا يلدُ من مخيّلته حرفاً.. ولغتُنا الفاتنةُ، النّاعمةُ، الفتيّةُ.. وَدودٌ وَلود! إنَّ الكـاتبَ الفطنَ والقارئ المتمرّس؛ الذي تضلّع في علوم العرب ولغتها و آدابها وتاريخها… لَهوَ أجدرُ بفنِّ الكتابة، وأحقُّ بمعرفة أخلاقياتها وأدبياتها وتلقينها لمن حوله، إذ أنَّهُ قد حوى الآلةَ الأساس، والأداةَ الأولى لحمل القلم والتّجرّؤ على القرطاس، وهذا وحدهُ لا يكفي.

فلا بدَّ على كلِّ كاتبٍ ناشيء أو محترف -كائناً من كانَ – أرادَ أن يحملَ مِشعلَ تنوير الفكر، والانعتاق من قيود العبودية الطوعية للأفكار المستهلكة الرّائجة والشّائعة في أوساط المجتمع، أن تكونَ لهُ نظرة ثاقبة لجميع الأحداث والنّوازل والوقائع الطّارئة في بيئته، ينظرُ لها بمنظار الواقع، لا بنصوص تقليدية جـامدة، ذهبت بذهاب أهلها وزمنها.. ويظهر براعته وتألّقه وإبداعه لحظتئذ، ويبذلَ قصارى جهده كي يغرس شتائل الأمل في النّفوس اليائسة، وأزهارَ المحبّة و لإخلاص والصّدق، التي سيجني ثمارها الناضجة مجتمعٌ راق!
 
وُلدت المقالة من رحم الكُتب، باعتبارها فنَّا من فنون الأدب، و قطعة من النثر معتدلة الطول، تعالج موضوعاً ما، معالجة سريعة من وجهة نظر كاتبها.

وإلا فإنّي أقول قولَ ابن قتيبةَ عليه -رحمةُ الله- في كتابه "أدبُ الكـاتب" ص12: إنّي رأيتُ كثيراً من كُتَّاب أهل زماننا كسائر أهله قد استطابوا الدَّعَةَ واستوطؤُا مركبَ العجز، و أَعْفَوْا أنفسهم من كدِّ النظر وقلوبَهم من تعب التّفكّر، حينَ نالوا الدرك بغير سبب، و بلغوا البِغْية بغير آلةٍ؛ وَلَعمري كان ذاك، فأينَ همّةُ النّفسِ؟ وأينَ الأنَفَةُ من مُجانسة البهائم؟ 

لقد كتبَ المؤلّفون القُدامى المُجلّدات العِظام، و الأسفارَ الضّخمة من الكُتب والرّسائل والدّواوين الشّعرية والمُعلّقات… ومع هذا كانت إنتاجاتهم تُقرأ، ومؤلّفاتهم تُدرس، وتأتي عليها الحواشي والمُختصرات التي هيَ بعينها تحملُ ما شاء الله من الأوراق والمجلّدات، لكن واقعُنا غير الذي نقول؛ فلم تعدِ الكتابة ولا القراءة من أولوياتنا، واستهلكَ كسب الرّزق معظم أوقاتنا، وشغلنا الفراغ..

وأوقاتنا أصبحتْ مملوؤة على آخرها في اللاشيء، وعلى إثر هذا ووَفقا لمواكبة الواقع ومزامنة الأحداث، وُلدت المقالة من رحم الكُتب، باعتبارها فنَّا من فنون الأدب، و قطعة من النثر معتدلة الطول، تعالج موضوعاً ما، معالجة سريعة من وجهة نظر كاتبها، وهي بنت الصحافة نشأت بنشأتها وازدهرت بازدهارها.

سيّدي؛ اكتُب خيراً، أو دع الأقلامَ تصدأ بحبرها، فعـارٌ أن يُهدرَ ذاكَ المدادُ في رسـالةٍ فـارغةٍ إلى العدم.
اختصر كل ما تَـوَدُّ قولهُ في عبـارةٍ جامعةٍ مانعةٍ موجزة، دونَ حشوٍ في الكتابةِ أو تفيهقٍ في الخَطابة، فلقد ولَّى زمنُ المقامات والمطوّلات… الآنَ يريدُ العـالمُ وجبةً ثقـافيةً سريعةً، فلَملم عُصارةَ فِكركَ وافرز لنا من ينابيع قلبكَ قولاً صالحاً تصلح به البلاد والعباد!

كتبَ المؤلّفون القُدامى المُجلّدات العِظام، و الأسفارَ الضّخمة من الكُتب والرّسائل والدّواوين الشّعرية والمُعلّقات… ومع هذا كانت إنتاجاتهم تُقرأ، ومؤلّفاتهم تُدرس.

الإشكالُ دائماً لا يكمنُ في الكتابة وحمل القلم، فتدفّق الجماهير العربيّة للكتابة والتّأليف زاخرٌ ووافر في البقاع العربية -شرقاً وغرباً، قديماً وحديثاً- وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على يُسْرِ امتلاك زمام اللّغة العربيّة، ومدى مرونتها وتلقّيها..

لكن الإشكال والأزمة الرّاهنة التي يُعاني منها الأدبُ العربيّ خاصّة وعموم المجالات العلميّة عدم وجود القـارئ المُعتكف المتضلّع في شتّى العلوم والفنون.. فتراثُنا غزيرٌ، يفيضُ بالإنتاجات الفكريّة والعلمية والثّقافية العديدة… وهو تراثٌ ولاّد، اشرأبّت منه مُعظم أعمالنا الحديثة إضافةً إلى تّغيير طفيف، والذي يتزامنُ مع الأحداث والوقائع لكلّ زمان و مكان.

ولهذا في كلّ سنة في أوطاننا العربيّة تتضاعفُ وتنمو الكُتب والقراءات والمقالات والأبحاث.. مع ركـاكتها -شكلاً و مضموناً- وينقصُ و يتضاءل الجزء المُهمّ في عمليّة التّأليف والكتابة والطّبع والنّشر، ألا وهو ذاك المُتلقّي، المُرسَل إليه، القارئ. فنشر و زرع ثقافة الكتابة دون القراءة ابتداءً، تخسيرٌ للكـاغد!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان