حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا أبوحمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية، حدثني سالم بن أبي الجعد، حدثني عبدالله بن محمد بن الحنفية قال: انطلقت مع أبي إلى صهر لنا من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أرحنا بها يا بلال (رواه الطبراني في المعجم الكبير، ح/ 6215).
يثير فيَ هذا الحديث النبوي ذائع الصيت الكثير من المشاعر المتناقضة كلما صادفني في خطبة جمعةٍ، أو موعظةٍ مرئية، أو حتى مكتوبة. مشاعرٌ متناقضة يغلب عليها الشوق والغيرة! ما أجمل شعور الراحة الإيمانية النفسية بالصلاة كما عبَّر عنها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وما أقسى حرماننا من هذه الجرعة الإيمانية من الراحة، والتي أتاحها الله سبحانه وتعالى كمنحة ربانية خمس مراتٍ يوميًا.
لقد تحولت الصلاة إلى واجب يومي ثقيل، لا يقوى على إتمام خماسيته كثير من المسلمين، رغم أنه أهم تكليفٍ من الله لنا بعد عبور بوابة الشهادتيْن إلى دنيا الإسلام. ومعظم من يلزمون أنفُسَهُم بإتمامِه، يكونون كمن يلقي عن نفسِهِ أثقالًأ من الكسل وتأنيب الضمير. فيكون كل ما ينالنا من أثر راحة الصلاة بعد التسليم منها، هو شعور وقتي بانزياح هم هذا الفرض.
عندما أسترسل في نقد أدائي في الصلاةِ وعلاقتي بها، أجد روحي تصرخ في أعماقي.. ما هكذا تكون الصلاة كما أهدانا إياها الرحمن الرحيم! |
ولا تسأل من هكذا منظومته الشعورية في الصلاة، عن مقدار ما صلَاهُ فعلًا خشوعًا وتدبُّرًا. فتجدُ أحدنا بعد تكبيرة الإحرام، وقد فوجئ بنفسِه يسلم من الصلاة! ولم يدرِ ماذا حدث تمامًأ في الدقائق السابقة، إذ كان ذهنُهُ شاردًا حتى الغرق في دواماتٍ من هموم الحياةِ ومسئولياتها الحقيقية والمصطنعة. وكذلك لا تَسَل عن إسباغ أركانِ الصلاةِ وحركاتِها ما يليقُ بها من رويَّةٍ وخشوع. فتجِد سباقًا محمومًا مع النفس لإنهاء ركعاتهِا في أسرعِ وقتٍ ممكن وغير ممكن، مع كسر الأرقام القياسية الشخصية مع كل صلاةٍ لاحقة !
عندما أسترسل في نقد أدائي في الصلاةِ وعلاقتي بها، أجد روحي تصرخ في أعماقي.. ما هكذا تكون الصلاة كما أهدانا إياها الرحمن الرحيم! رغم أنني والحمد لله لا أترك صلاةً عمدًا أبدًا، لكنني أشعر، ويشعر الكثيرون ممن أتشاكى معهم حول هذا الأمر، بفقرٍ روحيٍّ شديد في صلاتنا. وبعد إمعانٍ مكثفٍ ومتكرر للنظر، توصَّلتُ إلى هذه النقاط كأهم ما يمكن اتهامه بهذا الحرمان من قيمة الصلاة:
أولًا: اهتمام المربين في صغرنا بالإلزام بأداء الفرض، والتعويد الجسماني والزمكاني عليها، قبل التأسيس الإيماني والرباني بغرس حب الله قبل الإرهاب بغضبه وسطوته، وبإقامة مبادئ الإيمان بوجوده وعظمته سبحانه وتعالى في نفوس الصغار بأدلة عقلية بسيطة ولطيفة تحترم أذهانهم الصغيرة التوَّاقة فطريًا للإيمان.
ثانيًا: القصف المتواصل على قلوبنا وأفئدتنا من الشكوك والشبهات في هذا الزمان العسير، والذي وصل فيه التطاول على الإسلام من منطلقات سياسية وغيرها، إلى صميم العقائد وأصول الدين. مما عكَّر صفو علاقة أكثرنا بالله سبحانه وتعالى، خاصة وأن إيمان أغلبنا مؤسس على الانتساب الوراثي والعاطفي، مما يجعله أكثر عرضةٍ لتقلبات الريح. ولن يحسنَ الصلاةَ إلى بارئه، من أثخَنَت الشكوك في روحِه وقلبِه.
ثالثًا: ما يتعرض له المسلمون من نكبات واستضعافٍ ومذابح يوميًا حتى في صميم بلاد الإسلام. والبشر جُبِلَت نفوسهم على احترام القوة ظاهرًا وباطنًا. فهاهنا حلقة مفرغة بين ضعف إيمان المسلمين وعملهم، وبؤس واقعهم. كلما ضعف إيماننا، واختلَّ عملنا، زاد واقعنا ذلًّا وهوانًا وبؤسًأ. وكلما زادت الذلة والصَّغار، كثرت الشكوك وضعف الإيمان وكل انعكاساته في العمل.. وهكذا دواليك. وإلى أن يكسر كلٌّ منا هذه الحلقة المفرغة في نطاقه الصغير، وتنفتح الأبواب لكسر الحلقة العامة الأضخم، فسنستمر في الدوران العبثي فيها حتى النخاع.
علينا أن نحيط أنفسنا بمن يحملون نفس الهم الإيماني، ويريدون إقامة صلاتهم كما يليق بجلال المعبود. فالتواصي بالحق والصبر عليه نصف الفلاح كما في سورة العصر |
ولأنني لا أحب مجرد تفريغ طاقة الغضب والضيق في الشكوى التي قد لا تزيدُها إلا تفاقمًا عندي وعند من يقرأ هذه الكلمات، فقد حاولت أن أرسم مبادئ خطةٍ لإعادة تأسيس علاقتي بالصلاة استغلالًا لفرصة الموسم الرمضاني .. والله المستعان على إتمامِها وتنفيذها.
1- مواجهة ما يصطدم بالنفس والعقل من شبهات تتعلق بالخالق العظيم. وعدم الاكتفاء بالهروب منها. إذ تتراكب، وتُثقل الروح، وقد تخلد بصاحبها في نهاية الأمر إلى أرض من النفاق أو قاعٍ من الإلحاد. وأنصح في إعادة بناء العقيدة بكتاب (عقيدة المسلم) للشيخ محمد الغزالي، والذي ترفَّع فيه كاتبه عن الخوض في الكثير من الإشكالات الجدلية التي ابتُلي بها علم العقيدة بعد عصر النبي وصحابته الكرام. وحملت أفكاره كذلك توازنًا بين ما يؤسس الإيمان في العقل، وما ينفذ به إلى القلب.
2- أن نحيط أنفسنا بمن يحملون نفس الهم الإيماني، ويريدون إقامة صلاتهم كما يليق بجلال المعبود. فالتواصي بالحق والصبر عليه نصف الفلاح كما في سورة العصر.
3- استغلال الجو الرمضاني، وزيادة جرعات الصلاة واجبها ومندوبها بالتدريج حتى يرتفع المنحنى لأقصاه في آخر الشهر.
علينا بالدعاء المستمر للخالق العظيم بأن يتم علينا إقامة صلاتنا، وأن يثبت إيماننا في زمان الابتلاءات |
4- إعادة الثقة في إيماننا في رمضان، بترك منكر اعتدناه، أو بجبر خاطر إنسان، أو بالاتصال بصديق قديم، أو بكلمة حقٍ في وجهِ جائر، أو بقولة طيبة نتصدق بها كل يوم، التأمل في صفحة السماء العظيمة التي تحمل في ثناياها نصف آياتِ الله في الكون التي جعلها الله بيانًا شاهدًا على الحق … الخ.
5- الدعاء المستمر للخالق العظيم بأن يتم علينا إقامة صلاتنا، وأن يثبت إيماننا في زمان الابتلاءات.
أرِحنا بها يا ربَّ العالمين ..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.