شعار قسم مدونات

انهيار البيت الأبيض

مدونات - ترمب

على جانبي سياج البيت الأبيض، تكثر الانهيارات شبه العصبية. يقال إن العاملين في البيت الأبيض في حالة من الانهيار الوشيك -ينتقلون من أزمة رئاسية إلى أخرى، ويحاولون كل الوقت الاختباء من رئيس صارخ. على الجانب الآخر من سياج البيت الأبيض، تشهد معظم ساكنة واشنطن تفكك الرئاسة، وحتى الديمقراطيين غير راضين عن الوضع الراهن. إن الرئيس الذي يبدو خارج نطاق السيطرة يجعل أي مواطن عاقل غير مستقر في أحسن الأحوال.
 

وتشير تقارير موثوقة صادرة عن البيت الأبيض إلى أن الرئيس يقضي معظم أيامه في مشاهدة الأخبار التلفزيونية ويغضب على ما يراه -مع استثناء واحد: فوكس نيوز- وعلى مساعديه للسماح ببث هذه التقارير. ويتجنب المساعدون إبلاغه بالأخبار السيئة خوفا من صراخه عليهم.

إن تعيين المستشار الخاص روبرت مولر من قبل نائب المدعي العام رود روزنشتاين -الذي كان يهتم لسمعته فقط- لن يفعل الكثير لتغيير مزاج الرئيس دونالد ترمب. وسيُبقى مولر، وهو مدير سابق في مكتب التحقيقات الفدرالي، سَيُبقي التحقيق قائما لبعض الوقت حول ما إذا كانت حملة ترمب أو الشركاء السياسيين تواطئوا مع روسيا في جهودها لانتخاب ترمب. وهو السؤال الذي يدفع ترمب إلى الشعور بالارتباك – كما لا يجرؤ على فصل مولر. لكن كما قال إعلان روزنشتاين، إذا كان مولر سيقتصر على التحقيق في "الجرائم الفدرالية"، فلن يتم التحقيق في قضايا أوسع. هناك مخالفات قابلة للاتهام لكنها ليست جرائم.
 

قاعدة ترمب السياسية – التي تمثل حوالي 35٪ من الناخبين المؤهلين – متمسكة به، على الرغم من الفضائح والفوضى التي تسبب فيها ترمب والجمهوريون جراء جدول أعمالهم، وخاصة إلغاء إصلاح الرعاية الصحية للرئيس السابق باراك أوباما.

في الواقع، بدأت آخر موجة من الاضطرابات مع فصل ترمب المفاجئ يوم 9 مايو/ أيار لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي. وأثارت هذه الخطوة قلق الكثير من الناس داخل وخارج البيت الأبيض لأنها غير منطقية، وليس هناك تفسير جيد لذلك.
 

واستمر الأساس المنطقي الأول لفصل كومي ليومين. وادعى مساعدو ترمب أنه يتصرف بناء على مذكرة من روزنشتاين، الذي طرح مخاوفه العميقة حول كيفية تعامل كومي مع التحقيق في استخدام هيلاري كلينتون لبريد إلكتروني خاص. لكن ترمب نفسه قال لليستر هولت من قناة إن بي سي أنه قد فصل كومي بسبب "هذا الشيء الروسي".
 

في هذا المقتطف النادر من الحقيقة -حيث يدعي أنه كان يأمل أنه بفصله لكومي سيعرقل التحقيق في التواطؤ – قد اعترف ترمب بعرقلة العدالة. مثل هذه الإعاقة كانت من بين التهم الموجهة لريتشارد نيكسون عندما استقال، بدلا من مواجهة تهمة معينة في مجلس النواب وإدانة مجلس الشيوخ. سوء التقدير المذهل لترمب- الاعتقاد الساذج بأنه يمكن أن يوقف التحقيق، أو أن الديمقراطيين سيرحبون بعمله لأنهم ما زالوا غاضبين من كومي لكيفية تعامله مع كلينتون – قدم نظرة واضحة عن حكمه المخيف.
 

إضافة إلى تهمة العرقلة، تلقينا الخبر الصاعق يوم الثلاثاء، في منتصف فبراير/ شباط، في اليوم التالي الذي فصل فيه ترمب مستشاره لشؤون الأمن القومي مايكل فلين، طلب من كومي إلغاء التحقيقات التي قام بها مكتب التحقيقات الفدرالي لفلين. (معايير الاتهام على أساس العرقلة ليست بالضبط كما هي في ظل القانون الجنائي). منذ لحظة فصله لفلين، تصرف ترمب كما لو كان يخشى أن فلين لديه معلومات عن جرائم قد يبوح بها لتجنب العقاب بتهمة قبول وعدم الكشف عن الدفعات من حكومتي روسيا وتركيا.
 

وكان هناك جانب آخر للمشاكل التي واجهها ترمب بعد ظهر يوم الاثنين، عندما ذكرت صحيفة واشنطن بوست أنه كشف معلومات سرية للغاية قدمها حليف للولايات المتحدة (إسرائيل) لمسؤولين روسيين كبار. وكان اجتماع المكتب البيضوي الذي عقد بناء على طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي ضم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وسفير روسيا في الولايات المتحدة سيرغي كيسلياك (الذي أدت محادثاته الهاتفية مع فلين إلى سقوط فلين في فبراير/ شباط). ورغم أن إفصاح ترمب قد يكون قانونيا -يحق للرئيس أن يكشف السرية عن أي شيء- فهو ينتهك معايير حاسمة لتقاسم المعلومات.
 

ما يعنيه كل هذا بالنسبة لطول مدة ترمب في منصبه هو الآن الموضوع الأكثر جدلا في واشنطن. حتى قبل انتشار هذه القصص المقلقة الأخيرة، رأى عدد كبير من الجمهوريين في الكونغرس أن ترمب يشكل تهديدا للبلاد ولحزبهم. وفي حين أن القادة الجمهوريين، الذين يعتقدون أن الأولوية للتخفيضات الضريبية، ليسوا على استعداد للقول بصوت مرتفع أنهم سيكونون سعداء لرحيل ترمب، وقد بدأوا يُظهرون عدم ارتياحهم معه شيئا فشيئا.
 

في بعض الأحيان يبدو ترمب بائسا في العمل، مما دفع البعض إلى التفكير أنه قد يعود إلى مدينة نيويورك. لكنه كثيرا ما يعبر عن فخره الكبير وإعجابه بنفسه لكونه فاز في الانتخابات، مؤكدا حبه لهذا المنصب. كما يخبرنا باستمرار أنه ليس انهزاميا.

حتى الآن، فاٍن قاعدة ترمب السياسية – التي تمثل حوالي 35٪ من الناخبين المؤهلين – متمسكة به، على الرغم من الفضائح والفوضى التي تسبب فيها ترمب والجمهوريون جراء جدول أعمالهم، وخاصة إلغاء إصلاح الرعاية الصحية للرئيس السابق باراك أوباما. وقد فقد ترمب بالفعل المستقلين الذين دعموه في الانتخابات، وإذا لم ينفذ وعوده -ولم يستطع إقناع مؤيديه بأن هذا الفشل هو خطأ الديمقراطيين- قد تبدأ هذه القاعدة بالانهيار.
 

أصبح الحديث عن محاكمته في كل مكان، لكن لا يمكن أن تكون هذه المحاكمة قابلة للتطبيق سياسيا -ما لم تُدعم من كلا الحزبين، كما كان الحال مع نيكسون. ويمكن أيضا أن يجبر الرئيس على ترك منصبه بموجب التعديل الخامس والعشرين للدستور، الذي ينص على عزل الرئيس إذا كان غير قادر على أداء مهامه. لكن هذا التعديل يدعو، بصورة غريبة، نائب الرئيس إلى بدء مثل هذا الإجراء – وهو شيء غير محتمل- وأن مثل هذا التحرك يحظى بتأييد أغلبية الحكومة أو الكونغرس.
 

في بعض الأحيان يبدو ترمب بائسا في العمل، مما دفع البعض إلى التفكير أنه قد يعود إلى مدينة نيويورك. لكنه كثيرا ما يعبر عن فخره الكبير وإعجابه بنفسه لكونه فاز في الانتخابات، مؤكدا حبه لهذا المنصب. كما يخبرنا باستمرار أنه ليس انهزاميا.

_______________________________
المصدر: بروجيكت سينديكات

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.