شعار قسم مدونات

مروان البرغوثي.. السور العالي

blogs مروان البرغوثي

لم يكن ترشح أمين سر حركة فتح والنائب في المجلس التشريعي ومُشعل شرارة الانتفاضة الأولى في الأراضي الفلسطينية المحتلة وزعيم فصيل "التنظيم" العسكري والزعيم الروحي لكتائب شهداء الأقصى الدكتور مروان البرغوثي لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية اعتباطياً، ولا مستغرباً من قِبل جماعة أو أحد من الشعب الفلسطيني، من الناحية الوطنية والشخصية القيادية لمروان البرغوثي، فهذا الرجل صاحب المسيرة الدبلوماسية والثورية الكبيرة والحافلة، هو في عين الغالبية أهل لهذا المكان، وحرّي به. 

الاعتقال الأخير:
اختطف الاحتلالُ البرغوثيَّ بتاريخ 15/4/2002م، ووجهت له المحكمة تهم عدة رد عليها قائلاً: "جئتم بي إلى هنا بالقوة، لا أريد اتهاماتكم". كما رد البرغوثي على حكمه بأكثر من خمسة مؤبدات، فقال رافضاً لأي سلام منقوص من الحقوق الفلسطينية: "لن تُكسر إرادتنا، نحن نناضل من أجل الحرية والاستقلال، لن يكون هناك سلام قبل وضع حد للاحتلال"، مضيفاً: "إن كان ثمن حرية الشعب الفلسطيني سلب حريتي.. فلا مشكلة عندي في سلبها". 

تعرض البرغوثي لأوضاع سيئة للغاية في سجنه الذي عُزل فيه بالانفرادي لمرات عديدة، وفي الأعوام الأولى له في السجن كانت السلطة بقيادة الرئيس عرفات مواظبة على المطالبة بحريته في كل المحافل، ولكن سرعان ما تغير الوضع بعد وفاة عرفات الذي كانت تربطه مع البرغوثي خلافات رؤيوية للإدارة الفلسطينية، فلقد تغلبت حركة حماس على السلطة الفلسطينية بالمطالبة بالبرغوثي بعد مجيء الرئيس عبّاس إلى السلطة، إذ كان البرغوثي على رأس قائمة حماس المقدمة في مفاوضات صفقة "شاليط"،في ظل تغييب السلطة الفلسطينية للبرغوثي عن المشهد الوطني والسياسي، رفضت إسرائيل الإفراج عنه ضمن صفقة "شاليط"، ووضعته حجر عثرة لإفشال الصفقة، إلا أن "حماس" أكدت في مرات لاحقة عديدة وضعها للبرغوثي على رأس القائمة في أي صفقة مقبلة وعدم التنازل عن ذلك.

الإنجازات والنفوذ من خلف القضبان:

استطاع البرغوثي الوصول أكاديمياً إلى درجة الدكتوراه في السجن، كما وقّع من السجن "وثيقة الوفاق الوطني" التي أدت إلى اتفاق مكة بين الفصائل الفلسطينية لتحقيق المصالحة والوفاق الوطني

بالرغم من كل المضايقات التي حاصرت بها إسرائيل عائلة البرغوثي متمثلة باعتقال ابنه القسام لأكثر من مرة ومضايقات أخرى كثيرة، إلا أن زوجته فدوى استمرت بالعمل النضالي إلى جانبه وبالنيابة عنه، وقالت بعد انتخاب البرغوثي عضواً في اللجنة المركزية لفتح بأكثر من70بالمئة من أصوات أعضاء المؤتمر السابع للحركة، والذي عقد في 2016م: "إن مروان تمتع بنفوذ أكبر مما كان عليه في أي وقت رغم وجوده في السجن منذ 14 عاماً".

كذلك فقد استطاع البرغوثي إنجاز أكثر من نجاح نفوذي من داخل سجنه، فلقد ترشح البرغوثي لانتخابات الرئاسة الفلسطينية في العام 2004، معبراً عن نفسه بأنه مرشح المقاومة والانتفاضة والحقوق الفلسطينية كاملة، وعلى رأسها حق العودة، وذلك في ظل حملات واسعة من المقاطعة للانتخابات من جهة، والتأييد والرفض لترشح البرغوثي من جهة أخرى؛ فقد وقف أعضاء حركة فتح بالغالب إلى جانب مرشح الحركة محمود عباس، واصفين ما قام به البرغوثي من طرح نفسه في الانتخابات بشكل مستقل ومنافس لعباس بخيانة لفتح، كما أنه يؤدي إلى أسر القضية، فيما أيّد التيار الشعبي ترشح البرغوثي باعتبار ذلك مواصلة للنهج النضالي في رأيهم، وانتصار للمقاومة والانتفاضة الفلسطينية، كانت نتيجة الانتخابات في النهاية حصول البرغوثي على المركز الثاني من حيث عدد الأصوات بعد محمود عبّاس. 

استطاع البرغوثي الوصول أكاديمياً إلى درجة الدكتوراه في السجن، كما وقّع من السجن "وثيقة الوفاق الوطني" التي أدت إلى اتفاق مكة بين الفصائل الفلسطينية لتحقيق المصالحة والوفاق الوطني، وتأكيداً على الدور القيادي الذي يلعبه البرغوثي، فقد قام بتاريخ 17/4/2017م وبمناسبة يوم الأسير الفلسطيني ببدء إضراب عن الطعام تحت مسمى "إضراب الكرامة"، وبالتحالف والتوافق مع القائد أحمد سعدات، زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي كان قد حشد معه أكثر من 1600أسير فلسطيني حتى الآن لمقاومة الاحتلال من داخل السجن، وللفت نظر العالم لقضية الأسرى العادلة، واعتقالهم وتعذيبهم غير الشرعي في سجون الاحتلال، وبحسب القانون العالمي؛ فإن اعتقال البرغوثي وغيره كثر فاقد للشرعية، بحسب اتفاقية جنيف عام 1949، والاتفاق ما بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي فيما يخص الأسرى، فبوصف البرغوثي نائباً فلا يجوز اعتقاله أصلاً. ذلك بالإضافة إلى انتهاك الاحتلال لكافة حقوق الأسرى الفلسطينيين من حقوق صحية ولوجيستية وترفيهية ومعنوية. 

ولقد حقق الإضراب عن الطعام نتائج مذهلة في تجارب كثيرة حول العالم، وكانت في الغالب تجارب ناجحة، فبرغم استخدام الإضراب منذ 1000عام قبل الميلاد تقريباً، إذ كان وسيلة لاسترداد الديون- فكان الطرف الدائن يضرب عن الطعام أمام منزل المدين ليسترد دينه- إلا أنها كانت وسيلة فعالة في النزاعات القومية، والمطالبات الوطنية أيضا،ً فمن ضمن هذه الحالات إضراب "غاندي" في سجنه لتحقيق مطالب وطنية هندية من الحكومة البريطانية، والمطالبات بحق اقتراع المرأة في أميركا وبريطانيا، إضراب 8000 من الجمهوريين الأيرلنديين في السجون، السجناء السياسيون في فترة حكم العسكر في تركيا، إلخ من حالات كثيرة في العالم كلها تكللت بالنجاح وتحقيق المطالب العادلة.

وإذا أردنا تفنيد هذا الإضراب من الناحية الصحية، فإن الإنسان الطبيعي معرض للموت بعد شهرين إلى ثلاثة من الإضراب، ذلك بالطبع بعد موجة من الاضطرابات والمشاكل الصحية المتعددة والخطرة جداً، التي يمر بها المضرب عن الطعام؛ من فقدان للوزن وضمور في العضلات، واحتمالية فقد السمع أو البصر إضافة إلى أمور أخرى مشابهة وأكثر خطورة. 
 

إنّ ما قابل به الشعب الفلسطيني الإضراب من تضامن مع البرغوثي ورفاقه والتفافٍ حوله يؤكد على توافق الشعب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية على شخصية البرغوثي، كمثال للشخصية الوطنية الفلسطينية

وفي سياق متصل: فلقد نظّم رفيق الزعيم مانديلا "أحمد كاثرادا" إلى جانب فدوى البرغوثي حملة عالمية للإفراج عن البرغوثي ورفاقه، كما رشّح البرلمان البلجيكي وعدة شخصيات عالمية مهمة ومخولّة بذلك؛ رشحوا البرغوثي لجائزة نوبل للسلام، كل ذلك يدل على عدالة القضية وظلم السجّان.

إنّ ما قابل به الشعب الفلسطيني الإضراب من تضامن مع البرغوثي ورفاقه والتفافٍ حوله يؤكد على توافق الشعب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية على شخصية البرغوثي، كمثال للشخصية الوطنية الفلسطينية، كما يؤكد ذلك على إصرار الشعب الفلسطيني على نيل حقوقه وحريته، كذلك فإن الشعب الفلسطيني مطالب حالياً بتوسيع الحملة التضامنية مع أسراه في سجون الاحتلال ومطالبة العالم بتحمّل مسؤولياته تجاه قضيتهم، وحتى المطالبة بالإفراج عن الأسرى جميعاً، وليس فقط تحقيق المطالب المادية للأسرى في داخل السجن، ذلك بوصف هذا الاعتقال لا يمت للشرعية بصله؛ كونه صادراً من احتلال غير شرعي للأرض والتاريخ الفلسطيني.

 

كما يتوجب على الشعب والقيادة الفلسطينية استنهاض الشارع العالمي للوقوف مع القضية في كل العالم، والتوجه لكل الجهات العالمية المسؤولة لمحاكمة إسرائيل ومقاضاتها ونيل الحقوق المتعلقة بالقضية الفلسطينية وقضية الأسرى على وجه الخصوص، فلقد انتهكت "إسرائيل" أكثر من نصف بنود اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب الصادرة عام 1949م، والتي كان من أهم وأول بنودها: "لا يجوز للأسرى التنازل عن حقوقهم الطبيعية تحت أي ظرف من الظروف". هذا مع التأكيد على تنصل العالم من مسؤولياته تجاه الأسرى والقضية الفلسطينية اليوم.

السبت 27/5/2017م يصحو العالم على خبر تعليق الإضراب البطولي بعد رضوخ الاحتلال لمطالب الأسرى وذلك بالتفاوض مع القائد مروان البرغوثي لمدة 20ساعة، إذن، انتصر الإضراب وانتصر الأسرى على السجان والاحتلال.  مروان البرغوثي هو فصل من مسيرة الأسرى البطولية، حظيت سيرته بالأضواء مع استحقاقها لذلك بالتأكيد. وكذلك لكل أسير سيرة وقصة كفاح عظيمة، ومنهم الذين يقضون أطول مدد اعتقال في العالم وأصعبها كما عبد الله البرغوثي وكريم يونس وكذلك فإن هذا ما لدى 7000 آلاف أسير فلسطيني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.