شعار قسم مدونات

تصحيح المسار.. المضبوعون

Palestinian singer Yaqoub Shaheen (R), winner of Arab Idol season 4, gestures as he stands next to Palestinian singer Mohammed Assaf, winner of the second season of Arab Idol, during the final episode of Arab Idol season 4, in Zouk Mosbeh area, north of Beirut, Lebanon February 25, 2017. REUTERS/Mohamed Azakir
يُقال في الفلكلور العربي أن حيوان الضبع يستطيع أن ينوّم ضحاياه مغناطيسيّا بواسطة عينيه أو في بعض الأحيان بواسطة فيروموناته "أي في حال بوّل على الضحية"، الأمر الذي يجعل الضحيّة تسلّم نفسها للضبع كي يفترسها، ومن هنا أُخذت هذه النظرة، وصارت تُعمّم على كل إنسان منبهر بالظاهر الحسن الذي يبديه له أعداؤه والذي يخفي في داخله سمًا زعافًا، وصار يُطلق على هذا المنبهر وأمثاله لفظ "المضبوع".


واليوم بات لا يخفى على كثير منا، في ظل حالة التردي والانحطاط على مستوى الوعي والفكر، كمية وحجم المضبوعين من أبناء أمتنا بحضارة الغرب الذي يناصبنا ويناصب إسلامنا العداء، والعجيب في الموضوع أننا نصمّم على اتباعنا وانضباعنا للغرب على الرغم من معاداته لنا علانية وبكل صلافة ووقاحة. ولعلّ انضواءنا تحت مظلة الغرب وفي عباءته هو السبب المباشر لما نحن فيه اليوم من حالة الضعف والانهزام، حين تحولنا من موقع صناعة الأحداث إلى موقع صرنا فيه صدى لأحداث يصنعها غيرنا، هذه التبعية هي التي سببت لنا الويلات والكوارث على كافة الأطر والأصعدة.
 

لقد عشش فينا الاستعمار، وزرع بيننا عملاءه حتى طالنا في جميع مفاصل حياتنا التي نحياها اليوم، نخر فينا سوس أفكارهم حتى بتنا مضبوعين بهم، أو بوصف أدق أكثر ألمًا، بتنا أمة مبتورة.

وفي كل منعطف مفصلي تمر به الأمة، يحضرني ما قاله القس زويمر في مؤتمر المبشرين في القدس عام 1935م حين جاءه المبشرون يشتكون من فشلهم في تحويل المسلمين من الإسلام إلى النصرانيّة، فأجابهم بالقول : "إن مهمة التبشير التى ندبتكم لها الدول المسيحية فى البلاد المحمدية ليست إدخال المسلم في المسيحية ، فإن في هذا هداية لهم و تكريمًا ، إن مهمتكم ان تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح فردًا لا صلة له بالله ، و بالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها و بذلك تكونوا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الاسلامية ، لقد أخرجتم المسلم من الإسلام و لم تدخلوه المسيحية!
 

و بالتالي يأتي النشء الإسلامي كما أردنا ، لا يهتم بعظائم الأمور و يحب الراحة و الكسل و يسعى للحصول على الشهوات فأصبحت الشهوات هدفه فى الحياة، فهو إن تعلم فللحصول على الشهوات، وإن جمع المال فللشهوات وإن تبوأ أعلى المراكز فللشهوات، أيها المبشرون إن مهمتكم بهذا تتم على أكمل وجه" انتهى.
 

مات زويمر، لكنّ حلمه لم يمت، بل حمله الغرب بأسره من بعده، ويؤسفني القول وبالفم الملآن أن الغرب نجح في ذلك وإلى حد كبير جدًا، حتى أصبحنا لا نعرف الدين إلا في المسجد وحين تسجيل عقد الزواج أو الطلاق في المحاكم الشرعية، وما عدا ذلك من نمط عيشنا، تعاملاتنا، تعليمنا، اقتصادنا، اجتماعنا، سياستنا، حكمنا، كلها لا تختلف عن تلك الموجودة في بلاد الغرب، وإن كان هناك من اختلاف فهو شكلي فيه "ريحة" إسلام، ولكنها لا تمثل حقيقة الإسلام الذي هو دينٌ منه الدولة.
 

لقد عشش فينا الاستعمار، وزرع بيننا عملاءه حتى طالنا في جميع مفاصل حياتنا التي نحياها اليوم، نخر فينا سوس أفكارهم حتى بتنا مضبوعين بهم، أو بوصف أدق أكثر ألمًا، بتنا أمة مبتورة ككائن مشوه لا أصل له، ومع الأسف اكتفى الإستعمار بتنفيذ هذه المهمة عبر وكلاء "عملاء" له في المنطقة، جلّهم من أبنائنا وبناتنا: أحمد، خالد، عبد الرحمن، فاطمة، سعاد.

"إن مهمة التبشير التى ندبتكم لها الدول المسيحية فى البلاد المحمدية ليست إدخال المسلم في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم و تكريمًا، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام" القس زويمر.

واستغل حالة الضعف الموجودة بيننا في زرع أوكار تبث سمومها تحت مسميات: مؤسسات حقوق، مرأة، وإنسان، وحيوان، وطفل، ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها فيه العذاب والويلات لنا ولأمتنا، وطالونا في مناهج تعليمنا حتى حرفوا وغيروا وزوّروا ودلّسوا، وما هذه التغييرات في المناهج إلا نتاجٌ صنع على عين المستعمر البصيرة، ونحن ما زلنا في سكرتنا نعمه، نتيه، نضل، نلاحق الغناء والرقص والمباريات، وأعداؤنا لا يفتؤون عن جرنا وسحقنا وإفسادنا، حتى صرنا إلى ما نحن عليه اليوم، ومن سيء لأسوأ.
 

ولذلك فإن باعتقادي أن أولى الخطوات الجريئة التي على الأمة أن تتخذها هي الانعتاق من عباءة التبعية الغربية، وليس ذلك بالأمر المستحيل، فانضواؤنا تحت مظلتهم انتحار سياسي وشر مستطير لنا. ننعتق في شتى النواحي، وأولاها قضايا الحكم والسياسة والاقتصاد، وما كل المعاذير التي يطرحها الناس من عدم القدرة على الاستغناء بالغرب فهي معاذير واهية، وما هي إلا محاولات لاختلاق الحجج ووضع العربة أمام الحصان لا وراءه.
 

نعم إن بمقدورنا أن ننجز مع أمتنا لو شكلنا رأيًا عامًا عارمًا حول ذلك، وبغير هذا فإننا سنظل نضرب كل يوم على رؤوسنا ونحن لا نحرك ساكنًا، حالة الانضباع الكارثية يجب أن تنتهي، حتى لا نقدم أنفسنا لقمة سهلة سائغة لأعدائنا، وحتى لا نكون من أولئك الذين يهددون حصون الأمة وجدرها من داخلها، "لمثل هذا فليعمل العاملون".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.