شعار قسم مدونات

العمل النقابي الطلابي بين فلسطين وهولندا (2)

blogs جامعة

بينَ أروقةِ العمل النقابي هنا لا تنتهي وظيفتكَ بمجرد الفوز بالانتخابات بل تبدأ حينها وتخضعُ لوجوب الإيفاء بالوعدِ الذي قطعته، وهنا أصبحَ الهدفُ واضحاً بالعمل على تطوير جودة مخرجات التعليم والتحقق من توافقها مع الخطط الموضوعة.

هُنا قبل وصولك الى الجامعة يصلك ملفٌ تعرفك به الكلية بالتخصص الذي ستبدأ بدراسته وما هي آفاق العمل المستقبلية المحتملة، ما هي أهدافه وما هي الإنجازات التي حققها خريجو ذات التخصص في حياتهم العملية. يصلكَ كشفٌ بالأساتذة والمدرسين لهذا التخصص ما هي تخصصاتهم وخلفياتهم العلمية ما هي الجامعاتُ التي درسوا فيها والأبحاث التي عملوا عليها، أين نشرت وفيمَ تخصصت والجوائز التي حصدوها.

 

هنا يحدثونك عن نظام العلامات المعتمد، وما هي المساقات ومواضيعها ومراجِعُها المتوقعة كم عددُ ساعاتها المعتمدة وما هو العبء الدراسي وكم ساعةً تحتاج لدراستها فعلياً وطريقة التقييم والامتحانات هل ستكون بحثاً أم امتحاناً مكتوباً؟ هل ستكون بنظام الأسئلة المفتوحة أم الاختيار من متعدد؟ ما هي أهدافها وما نسبة كل هدف من المساق ككل وموعدُ امتحان كل مساقٍ أو موعدُ تقديم الأبحاث دون تعارضٍ أو تداخلٍ بين أي من المساقات ليعطيك الفرصة لترتيب أوقاتك ونشاطاتك ومواعيدك كاملةً بما لا يؤثر على حياتك الشخصية وحياتك الدراسية. 
 

هنا في اجتماع مجلس الكلية حيث الطلبة والأساتذة على حد سواء يتحدثون عن إنجازاتهم العلمية، فطالبٌ قد سجل اختراعاً جديداً وبروفيسور يحدثنا عن قبول ورقتين بحثيتين له في واحدة من أشهر مجلات البحث العلمي

هنا بمجرد انتخابك يصلك بريد إلكتروني في ذات اليوم يهنئك بالفوز ويضع بين يديك الواجبات والمسؤوليات وأجندة العمل ومواعيد الاجتماعات خلال العام، هنا أنت عضو في مجلس القسم والكلية بصوتٍ لا يقلُ وزناً عن أقدم بروفيسور فيها، أما هناك فإن استطعت أن تجتمع بأعضاء المؤتمر العام لمجلس الطلبة مرتين في العام فهذا إنجاز بحد ذاته، وإن استطعت ألا يغيب صوتك في أقبيةِ التحقيق فأنت في نعمة لم تدركها بعد. 

هنا في أول اجتماع يضع بين يديك رئيس القسم القرارات التي تم اتخاذها من المجلس السابق كخطوةٍ أولى ولك الحق بأن ترفضها، هنا يتم استشارتك ببعض التغيرات التي ستؤدي للحصول على دعم أكبر من الحكومة وبما لا يتعارض مع أهداف التخصص، هنا توضع الملفات بشفافية تامة دون إخفاء شيء للمضي للأمام. أما هناك فلا شأن لك بكل ما قد ذكر فأحدهم يقرر بالنيابة عنك.

هنا يأتي السؤال الأهم من قبل الأساتذة " كيف ترون أداءنا؟ ما الذي تظنون أننا أغفلناه أو تناسيناه؟ هل هناك شيء تودون إضافته إلى الخطط الدراسية؟ أي عناوين وجدتم أنها غير ذات فائدة أو أنها لم تعطَ حقها كاملة؟" هنا أستمع إلى الأسئلة مترنماً مناقشاً مفصلاً مُعرّفاً، هنا يطلب مني البروفيسور مناداته باسمه الشخصي بعيداً عن الألقاب وأنا أنتقده في أحد المواضيع التي درّسنا إياها، وحين انتقدت أحد المدرسين الذي حرف مساره كلياً عن الخطة التي وضعها. أما هناك فقلة من يسعون لذات الشيء وكثرةٌ من يظنون أنهم أنزل عليهم العلم مفصلاً. 

هنا في اجتماع مجلس الكلية حيث الطلبة والأساتذة على حد سواء يتحدثون عن إنجازاتهم العلمية، فطالبٌ قد سجل اختراعاً جديداً وبروفيسور يحدثنا عن قبول ورقتين بحثيتين له في واحدة من أشهر مجلات البحث العلمي ودكتورُ يزف خبر الحصول على منحة للتدريب والبحث لطلبة الكلية، آخر يسجل إنجازاً واكتشافاً على صعيد بحثه في الدكتوراه، وآخر يدعونا لحفل تنصيبه كبروفيسور ، والعميدُ مبتسمٌ بحصوله على دعم إضافي لتطوير احد المختبرات، وآخر يودعنا لترقيته للعمل في مركز بحثي مرموق، هنا لا يسألك احد إلا عن شيء واحد وهو بماذا أبدعت مجدداً؟ 
 

قدمنا في نهاية فترة انتخابنا ملفاً يحتوي على مراجعةٍ كاملةٍ للمساقات ونقاط الضعف والقوة فيها واقتراحات للتطوير على صعيد المراجع والمحتوى والمدرسين بالأرقام والنسب والإحصاءات، إضافةً لأفكار تعمل على تسويق التخصص للحصول على دعم وتمويل أكبر

هنا قدم أحد الأساتذة المرموقين اعتذاراً للطلبة بعد أن قدمت اعتراضاً للإدارة حين وجدتُ بوناً شاسعاً بين الخطة والواقع وأن التحصيل لم يتعد الخمسين بالمئة، بل إنّ أوزان الامتحان والأبحاث تختلف كلياً عن تلك الموجودة في الخطة، بل إن موضوع أحد الأبحاث لا يرتبط بنسبة كبيرة في المساق، وأبلغتني الإدارة بأنه سيتم تقييم المدرس مرة أخرى والاستغناء عن خدماته في هذا المساق في حال ثبت الأمر وأنّ هذا ما فعلوه في العام الماضي مع مدرس لمساق آخر. هنا لم يقم هذا المدرس بترسيبي بسبب اعتراضي، وهنا لم تخضع معايير النجاح لنسبة معينة بل كانت 99.3 بالمئة، هنا وجه جميع الأساتذة شكرهم لنا على مدى التزامنا بترسيخ الأهداف التي انتخبنا لأجلها، وهنا تشكل في داخلي مفهوم جديد للعمل النقابي، أما هناك فيدرك عدد كبير ممن يقرأ هذا المقال الفروق حتى وإن لم أذكرها. 

هنا قدمنا في نهاية فترة انتخابنا ملفاً يحتوي على مراجعةٍ كاملةٍ للمساقات ونقاط الضعف والقوة فيها واقتراحات للتطوير على صعيد المراجع والمحتوى والمدرسين بالأرقام والنسب والإحصاءات، إضافةً لأفكار تعمل على تسويق التخصص للحصول على دعم وتمويل أكبر، ثم ناقشنا هذا الملف وخضع للجرح والتعديل ليتم اعتماد توصياته في العام القادم ولم يُلقَ في سلة المهملات. 

حاولت من خلال هذه المدونةِ أن أسلط الضوءَ على أبرز الممارسات الناجحة المضيئة المنسية في بلادنا في بيئة تُشجع على البحث العلمي وابتعدتُ عن السلبيات التي لا يمكن التظاهر بعدم وجودها. ركزتُ على بلدٍ واحدٍ وجامعةٍ معينة لوجود اختلاف حول ذات الموضوع في ذات القارة وذات الدولة أحياناً، أنّ العمل النقابي الخدماتي وإن كان ذا أهمية كبيرة إلا أنه ليس الأهم، فالارتقاء بالمستوى العلمي شق مهم لا يمكن إهماله أو التجاوز عنه، لستُ الوحيد الذي تقدم لهذا الميدان بل إني على يقين بأن هناك العديد من الأشخاص الأكثر إبداعا الذين خاضوا غمار هذا المضمار، إلا أنّ الغاية أن نعمل على نقل ما مارسناه إلى بلادنا وألا يبقى حبيسَ الذاكرةِ والخوف من التغيير. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.