حين سُئِلت السيدةُ عائشة رضي الله عنها عمّا كان يفعلهُ النبي -صلى الله عليه وسلّم- في بيته قالت إنّهُ كان بشراً من البشرِ يفلي ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته ويخدم نفسه فإذا حانت الصلاة خرج إليها وصلى بالناس. أي أنه صلى الله عليه وسلّم ما كان ينام طيلة النهار وينتظر من نسائه إعداد الطعام له ثم إيقاظه حين يجهز الطعام ليأكل وأجزم بأنه -صلى الله عليه وسلّم- لو كان معنا في يومنا لما قبِل على نفسه أن يستلقي على الأريكة متنقّلاً بين الفضائيات بينما تكابد زوجته وبناتها الصائمات عناء الطهي والجلي والطبخ والنفخ في المطبخ. وكيف به أن يفعل ذلك وهو الذي جعل معيار الخيرِ في الرجل إحسانه لزوجته فقال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي وأوصى كثيرا بالنساء فقال اتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا".
وإن كانت المرأة قبلت أن تخدِم زوجها داخل البيت تفضّلاً منها فتلك الخدمة مشروطة بعمل الرجل خارج المنزل لا بنومه في الوقت الذي هي فيه تعمل، فحين قسّمَ النبي -صلى الله عليه وسلم- الأعمال بين علي وفاطمة جعل أعمال البيت على فاطمة مقابل أن تكون الأعمال خارج البيت مسؤولية علي كرم الله وجهه.
من المفارقات أن رجال مجتمعنا حين يلتقون بأنثى غربية تهبط عليهم الحضارة والرقي في التعامل فجأة بينما يحتفظون بالفجاجة وسوء المعشر لأخواتهم وأمّهاتهم وأمّهات أولادهم |
وما القوامة التي نسيء فهمها الا تكليف للزوج وتشريف للزوجة والقوامة تعني رعاية الزوجة وتكريمها وبذل كل جهد لتوفير السعادة لها والطمأنينة وليس التسلّط عليها وقهرها بكثرة الأوامر ومعاملتها كالخدم، بل يجب على الرجل خدمتها أو أن يوفر لها خادما أو أكثر يعينها ويحمل معها أعباء البيت اذا اقتضى الأمر.
هذا ما يأمرنا به الدين والإنسانيّة والتحضّر تجاه المرأة وإن كنّا ندّعي الصوم لله وأداء الفرائض ونتناسى وصايا النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يخص النساء فما أظن بأن أعمالنا الأخرى ستُرفع ولا أظن بأننا سننال أجر الصيام ونحن ظالمون لإناثنا، هذا وبتصرفاتنا المقيتة الخطيرة التي لا نلقي لها بالا تلك نعزّز الذكوريةَ في المجتمع فالذكورية في المجتمع نواتها عوائلنا والمجتمعات الذكورية بدورها هي في النهاية نواة لبلدان تسودها الذكورية.
هذا والإحسان إلى المرأة لا يعني الإحسان إلى الزوجة فقط بل يتعداه إلى الأم التي هي الأصل وكذلك الأخت والبنت وفي هذا الخصوص ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "من عال جاريتين جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه". وقال أيضا "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم" وقصد النساء. فالإحسان إلى المرأة هو طبع الكِرام أمّا إهانتها فهو لاشك طبع من طباع اللئام.
ومن المفارقات أن رجال مجتمعنا حين يلتقون بأنثى غربية تهبط عليهم الحضارة والرقي في التعامل فجأة بينما يحتفظون بالفجاجة وسوء المعشر لأخواتهم وأمّهاتهم وأمّهات أولادهم.
أما عن نفسي فقد قرّرت أن أطبخ لزوجتي في رمضان هذا العام وأجعلها تنام هي بينما أنا أطبخ وسأمنعها حتى من دخول المطبخ ولن أطبخ عنها فقط بل سأقوم بكل ما كانت تقوم به حين أكون أنا نائما، وذلك كي أشعر بما كانت تشعر به وكي أتذكّر عهودي لها وذلك حين كنت أعِدهاُ بأن أدلّلها وأجعلها تاجا على رأسي وأميرة لبيتي ثم جعلتها في النهاية خادمة لي في المطبخ.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.