شعار قسم مدونات

الحب الذي لا نعرف

blogs الحب

ستظن تلك المتحفزة في بداية عمرها، أن الصورة المختمرة في قاعها، عن أساطير الحبيب، و الزوجين السعيدين، وخاتمة الرواية والتئام الشمل آخر الفيلم، هي ثمرة التحصيل الحاصل بعد المرور بعدد منمق من السنوات، وشهادات التخرج المجتمعية، والتي تتيح لها الاستحواذ على الصورة المثالية، والمثالية هنا رديف السذاجة، و الانبهار القاصر، وضحالة الخبرة، هي حكايا الأساطير، وقيء المجتمع فينا عما سيكون، و كيف يجب أن يكون.

 

ثم نقول للمتحفز، أن الكمال صنعة الإله غير المكتملة فينا، هو مدار بحثنا المتجدد، وصيغة هروبنا الدائمة، هو انكسار الأمل المستمر على أعتاب غير خالق الكمال، فلا تظنن أنك بما حزت، قد بلغت أطراف الكمال، وسرر الراحة، وعباءات الترف، هي سماء دنيا، كلما دققت النظر انكسر البصر وهو حسير وأنت ترقب بشراً لم يكتب لهم الحب الكامل من بعضهم البعض، فترى الشغف الذي كان مشتعلاً يخبو هنيهات، ويسطع هنيهات أخرى، فعلامَ الرهان في عالم الحب والمحبين؟

 

مهما اشترطت لن يبلغك حب مكتمل الدوائر، مستريح الأحلام، ولن يمر عليك منذ اللحظة الأولى دون امتحان وأسقام

 ما أن يتفتح قلبك، على نسمات عشق تهب دون موسم، حتى تحث الخطى إلى الخلاص، خلاص من ضنك الفرد الى مساحات الشفع، من عجاف اللاشريك، الى غوث المشاركة، تكون متأكداً من أن الجنة على بعد خاتم زواج، وأن الجدران المكتنفة ستغدو كما كوخ الغابة الأسطوري، حلوى مغدقة وأنهار من الشهد المصفى. ثم يمتد بك زمن الشراكة الممهور بالارتباط، والميثاق الغليظ، ويخضع أعظم ما تملك للإختبار، ويُجر "الحب" من قرنيه إلى مقصلة الحياة، فيصعق ويصدم وربما يذبح، وسيقف على الحافة، فإما أن تدفعه عنك و إما أن تدفعه إليك، فلا تجزعن من هول الموقف، إنما خلق الحب ليمتحن، وسوي ليختبر، لا أن تجده في ثنايا الشعر وأطراف الكلم وبجانب الوسادة، مرتاحاً من كل ما يكدره، وغضاً لم تصقله نوائب التراكم و شظف التعقيدات، بل لأن يقف هناك يواجهك حين يسير بك الشغف إلى الانطفاء، أو يرمي المحيط بثقله عليك، فلا تجد إلاه لوح نجاة إذا غرق كل شيء في سفينتك، فتصير بالحب سفينة وشراعاً.

 

في سفر التكوين الأول، أمروا بأن "اسكن أنت وزوجك الجنة"، ولما جرى الهبوط، ارتبط بالطبع البشري كيف ما سار واتفق، وصار الحب صعوداً وتوقاً الى الجنة، وكل ما في طريقه هبوطاً و تثبيطاً، فإن لم يبلغ الوعي بنا أن هذا الصاعد هو ما يعيدنا إلى سيرتنا الأولى، وأنه هو الحنين الأزلي إلى جنة السكن و المأوى، وأن طريقه لن تسير كما يحلو لعاشقي البدايات، و محبي النظر الأول، بل هو خرق لأقطار السماوات وعادات أهل الارض، وهو امتحان النفخة الأولى وصراع الروح مع ما يحصرها من جسد وحاجات، هو السكن مع الشريك في الجنة ولو كانت أرضية المنشأ والمآل، رغم ما سيهب من عواصف ويغلق من آفاق. فمهما اشترطت لن يبلغك حب مكتمل الدوائر، مستريح الأحلام، ولن يمر عليك منذ اللحظة الأولى دون امتحان وأسقام، فإما أن تخوض معه فتصعد بروحك الى حيث أرادها من سواها، أو أن تركن إلى ما يتهيئ في بالك، أو ما غرسه فيك، راسمو الصورة المنمقة عن الحب، فتبقى تظن أن ما ترجوه حباً، وهو في عرف العارفين، "أنا" محجوبة عن الحب، عن الحب الفناء، عن الحب الذي يناجي فيه المحبوب حبيبه يا أنا، وإلا فإنه الحب الذي لا نعرف.