أما آن الأوان أن نعود إلى عالمنا الخاص؟ ونبحث عن أنفسنا التي أضعناها بإرادتنا ونتصالح معها، فنعرف من أين جئنا وإلى أين نحن ذاهبون؟ أما آن لك أيها الإنسان أن تبحث عن روحك التي أهملتها في أبعد زاوية من زوايا الغفلة ونسيتها وركبت بحر الحياة بلا هادٍ ولادليل.
عندما تجدون هذه النفوس المطمئنة، لن تكونوا بعدها كواكب تدور في فلك الآخرين، ستصيرون شموسا ونجوما تضيئون حياتكم وتعرفون طريقكم. |
يعرف الإنسان أن روحه قد تغادره، لكن هل يعرف أنها قد تغادره وهو معها في خصام؟ هل يعلم أنها سيفه الذي لا يكسر وفرسه التي لا تكبو، أنى له أن يقاتل في هذا العالم دون مركب ولا سلاح؟ أرواحنا تلك التي تربط الأرض بالسماء، هل نعلم عنها شيئا؟ هل بحثنا في عالمنا الداخلي عنها؟ نجد ونجتهد في إرضاء فلان وعِلان، وكسب ود الناس لكن أين أنفسنا من كل هذا؟
لا أتحدث عن رغباتنا النرجسية التي نظن أننا نسعى لتحقيقها بجمع المال والتودد إلى الكبار ليس هذا سوى صورة مزيفة قبيحة ارتضيناها لنَضِل في عمى عن حقيقة ما نريده حقا، عن ما يرضينا حقا، عن ما يجعلنا نحيى في سكينة واطمئنان غير مغشوش.
أحدثكم أيها الطيبون عن ما أرسل إلينا من السماء يوم نفخ الملك فينا ونحن أجنة؟ أسألكم عن تلك النفس التي تحب الخلود ولا تقبل فكرة الفناء، أسألكم عن أنفسكم النقية التي تعيش في الطين ولا تختلط به؟ أسألكم عن أنفسكم التي يشغلها عالم الغيب؟ أسألكم يا سادة عن تلك التي سألها ربها -جل وعلا- قبل أن تأتي إلى الحياة "ألست بربكم" فأجابت "بلى"
عندما تجدون هذه النفوس المطمئنة، لن تكونوا بعدها كواكب تدور في فلك الآخرين، ستصيرون شموسا ونجوما تضيئون حياتكم وتعرفون طريقكم، ففي قلب كل واحد منكم هاد وضعه الله تعالى يرشده ويهديه سواء السبيل.
لن يكون البحث سهلا، سيكون عسيرا طويلا لكنه سيكون جميلا تكبر لذته في كل خطوة فيه، فأنتم ما إن تجدوا هذه النفس التي أتت من عالم النور حتى تشرق حياتكم ويطمس ليلها، فتصير طيبة لا يحزنكم فيها فزع الناس وأنتم على جميع أحوالكم راضون مطمئنون. المضي في البحث عسير يستحق العناء، والدليل فيه قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار "لعلك ترضى"…
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.