شعار قسم مدونات

أسرار الصيام في الإسلام

مدونات - الصوم

قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة : 183 ).  هذا أمرٌ إلهي بصوم رمضان الذي هو الإمساك عن كافة المفطِّرات مع النية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وفوائد الصيام لا يمكن حصرها، فهي تشتمل على تهذيب النفس وتطهيرها من الآثام والشوائب والأخلاق السيئة، وتضييق مسالك الشيطان عبر قطع الشهوة. فالصيامُ نظامٌ دِيني ودُنيوي ينتشل الفرد من مستنقع الماديات الروتينية ليعيد صناعته من جديد وفق منظور إيماني.
 

وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن صام يوماً في سبيل الله، باعدَ اللهُ وَجْهَه عن النار سبعين خريفاً" (متفق عليه). ومن الواضح من خلال آية الصيام أنه كان مفروضاً على أهل الكتاب الذين كانوا قبل أتباع الرسالة المحمدية الإسلامية. فالله تعالى يقول: " كما كُتب على الذين من قبلكم" في إشارة واضحة إلى أهل الكتاب. والجمهورُ على أن التشبيه واقع على نفس الصوم لا صيام رمضان.
 

الصيامُ جُنَّة، أي وقاية من الوقوع في المحرَّمات والشهوات والأخلاق القبيحة، ومانعٌ من النار، فمن صام يوماً لله باعد اللهُ النارَ عنه سبعين سنة. وعلى الصائم أن يبتعد عن الشهوة والصياح وكل الأخلاق الذميمة.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8/ 178): (أما قوله: "كُتب " فمعناه فُرض. والمراد بالمكتوب فيه اللوح المحفوظ. وأما قوله: "كما " فاختلف في التشبيه الذي دلت عليه الكاف، هل هو على الحقيقة فيكون صيام رمضان قد كُتب على الذين من قبلنا، أو المراد مُطْلَق الصيام دون وقته وقَدْره… وفي قوله: " لعلكم تتقون " إشارة إلى أن من قبلنا كان فرض الصوم عليهم من قبيل الآصار (الأثقال)، التي كُلِّفوا بها. وأما هذه الأمة فتكليفها بالصوم ليكون سبباً لاتقاء المعاصي وحائلاً بينهم وبينها). وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يُفرض رمضان.. فلما فرض اللهُ رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن شاء أن يَصومه فَلْيَصُمْه، وَمَن شاء أن يتركه فليتركه -يعني صوم عاشوراء-" ( رواه البخاري واللفظ له ومسلم ).
 

وكل العبادات إنما جاءت لانتشال الفرد من مستنقع الروتين الوظيفي الدنيوي الترابي، وزراعته في قلب الفعل الاجتماعي المؤمن، حيث تتجلى قيم خلافة الله في الأرض، وإعمارها وفق الشريعة الإلهية الخالدة. ولا يمكن إنكار دور العبادات في تنظيم الحياة الدنيا، ونيلِ السعادة السرمدية في الآخرة. وكل هذا يعود على الفرد بالطمأنينة والاتزان النفسي والقوةِ المادية. فاللهُ تعالى هو خالق الإنسان، وأعلم به منه، ويعرف -سُبحانَه وتعالى- ما يُصلح الإنسانَ وما يُفسده. ولم يتم تشريع العبادات للتضييق على الناس، إنما شُرعت لإنقاذ الإنسان ومنحه الخلود في الدارين: خلودُ ذِكره الطَّيب في الدنيا، وخلوده في الجنة في الآخرة.
 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله: كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أَجزي به، والصيامُ جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يَرْفُث ولا يَصْخَب، فإن سَابَّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم. والذي نَفْس محمد بيده لَخُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح، وإذا لقي رَبَّه فرح بصومه" (متفق عليه) وهذا الحديث يُقدِّم لنا منهجاً متكاملاً في فقه الصيام. فالصيامُ عبادةٌ خفية لا يدخلها الرياء مطلقاً لأنها متوارية عن أعين الناس. أما باقي العبادات كالصلاة والحج -مع فضلها الجليل- فيمكن أن يدخلها الرياءُ والسُّمعة، وحبُّ الظهور، واستمالةُ عيون الناس، واستدعاءُ انتباههم، فهي عبادات ظاهرية أمام عيون الناس وأسماعهم. أما الصيامُ فسرٌّ بين العبد وخالقه -تعالى-، لا يعلم وجودَه من عدمه سوى الله تعالى. لذلك كان الصيامُ لله تعالى يجزي به.
 

والصيامُ جُنَّة، أي وقاية من الوقوع في المحرَّمات والشهوات والأخلاق القبيحة، ومانعٌ من النار، فمن صام يوماً لله باعد اللهُ النارَ عنه سبعين سنة. وعلى الصائم أن يبتعد عن الشهوة والصياح وكل الأخلاق الذميمة. وهذا أمرٌ شاملٌ في حال الصوم أو عدمه.
 

والصيامُ سدٌّ منيع يحمي الإنسانَ من الغرق في الأخلاق الذميمة أو الانجرار إلى الخطايا المهلِكة. وهذه الحمايةُ الشاملة تجعل من الفرد كائناً نورانياً يمكن تمييزه بين الناس بسبب صفته وسَمْته، فهو ليس إنساناً عادياً أو عابرَ سبيل في هذه الحياة. إنه يملك بصمته الشخصية المؤثرة في مسار المجتمع الإنساني ومصيره. إنه ليس رقماً هامشياً يُضاف إلى أعداد البشر لأنه حاملُ الرسالة الإلهية إلى الناس، سائراً على خطى الأنبياء -عليهم السلام-. وهذا هو التميز الحقيقي بلا غرور أو تطاول على الآخرين.
 

الصائمُ له فرحتان: الأولى إذا أفطر فرح بِفِطْره، فقد أطاع اللهَ تعالى، وامتثل أمرَه، وأنهى يومَه على أحسن ما يُرام. وأيضاً يفرح بالطعام الطيب والشرابِ اللذيذ. والفرحة الثانية إذا لقي اللهَ فرح بثوابه العظيم ومكافأته التي لا تضيع.

وإن اعتدى أحدٌ على الصائم بشتمه أو مدافعته فليقل إني امرؤ صائم لكي يُذكِّر نفسَه ومن حوله بأنه في حالة إيمانية سامية لا تقبل الشتم والمجادَلة والمقاتَلة. فالصائمُ لا يقع ضحية جهل السفهاء أو كلماتهم الاستفزازية. أما تغيرُ رائحة فم الصائم فهو يؤذي من حول الصائم لأنهم يستقذرونها، لكنها عند الله تعالى أطيب من ريح المسك.
 

والصائمُ له فرحتان: الأولى إذا أفطر فرح بِفِطْره، فقد أطاع اللهَ تعالى، وامتثل أمرَه، وأنهى يومَه على أحسن ما يُرام. وأيضاً يفرح بالطعام الطيب والشرابِ اللذيذ. والفرحة الثانية إذا لقي اللهَ فرح بثوابه العظيم ومكافأته التي لا تضيع.

وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 8/ 29): اختلف العلماء في معنى الحديث مع كَوْن جميع الطاعات لله تعالى، فقيل: سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لَم يُعبَد أحدٌ غير الله تعالى به، فلم يُعظِّم الكفارُ في عصر من الأعصار معبوداً لهم بالصيام، وإن كانوا يُعظِّمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذِّكر وغير ذلك. وقِيل: لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه بخلاف الصلاة والحج والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة. وقيل: لأنه ليس للصائم ونفسه فيه حظ، قاله الخطابي، قال: وقيل إن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى، فَتَقَرَّبَ الصائمُ بما يتعلق بهذه الصِّفة، وإن كانت صفات الله تعالى لا يُشبهها شيء. وقِيل: معناه أنا المنفرِد بِعِلم مقدار ثوابه أو تضعيف حسناته، وغيره من العبادات أظهرَ -سُبحانَه- بعضَ مخلوقاته على مقدار ثوابها، وقيل: هي إضافة تشريف).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.