إنه السؤال الأهم وإن كان غريبا وطريفا أيضا، والذي بات يتردد بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي وإن كان على سبيل التفكّه، تعبيرا عن التندر والسخرية التي تحققها صور قائد الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي في الداخل والخارج، وهي الصور التي رفعت أسهم "القلش" المصري على قائد الانقلاب المسيطر على مقاليد الأمور في الداخل المصري على الأقل بصورة لا توحي أبدا بأن تلك الصور تُلتقط وتُنقل ويتم توزيعها بكل هذه السهولة، عبثا أو اعتباطا أو حتى إهمالا من إدارة كاملة تختص بالشئون المعنوية بصفة عامة، والتي من بينها دلالات صور الحاكم وطريقة خطابه وأسلوبه المناسب وهكذا.
كما أن الإفراط في نشر التقاط تلك الصور المضحكة، لا يرجح فكرة العبث في استخدامها، خاصة وقائد الانقلاب هو صاحب اللقب الأقبح في القاموس الشعبي المصري، على مدار التاريخ، ومن بعد ذلك اللقب لحق به اللقب الأظرف والذي انتشر على ألسنة الجميع، لعدم خدشه للحياء العام مثل الأول، وهو لقب "بلحة" الذي يعني في المفهوم المصري، الرجل الأبله أو الأخرق وفق تعبير إحدى الصحف الايطالية التي وصفت السيسي به، أثناء زيارته الأولى للأمم المتحدة، ولكن هذا كله لم يناله منه في شيء، مثلما نال من رئيسه المنتخب محمد مرسي!
مبارك فقد اكتفي بدور الموظف البيروقراطي المناسب لعهده وشخصيته أيضا، حيث أن المجتمع المصري وقتها، كان قد نفض يده من الصراع الإسلامي الصهيوني، أو العربي اليهودي، واستعد لجني ثمار انفتاح "السداح مداح ". |
ولأنه أمر قد زاد عن حده الطبيعي، لذلك أعتقد أنه يستحق الدراسة أو على الأقل التأمل، فالرجل له في مقعد الحكم المباشر ما يقرب من أربع سنوات قد يضيف إليها أخرى، فلو كان أخرق في الحقيقة بتلك الصورة الساخرة التي تظهر في صوره وخطاباته دائما التي يستعير فيها أسلوب "توفيق عكاشة" الإعلامي النادر، لتعلم مع مرور الوقت، على الأقل من خلال ما يعج به قصره من الخبراء والمحللين المحليين والأجانب، بغض النظر على أن القاعدة تقول وفق معيار الدولة والمجتمع المدني أن: كل عسكري حاكم أحمق بطبعه، ولكن قطعا ليس بهذه الصورة التي يتعمد السيسي الظهور بها على الملأ.
وربما يكون في التاريخ بعض الجواب عن هذا الأمر، إذا ما تتبعنا سيرة الحكام العسكريين لمصر من محمد نجيب إلى السيسي، وظروف المجتمع التي انعكست على صورة كل واحد منهم، وتناسبت معه على حدة، فمحمد نجيب يوصف في مختلف الكتب التي أرّخت لتلك الفترة بأنه دخل قلوب الشعب المصري لبساطته وطيبته التي كانت مناسبة للشخصية المصرية وقتها، تلك الشخصية التي استيقظت في الصباح لتجد الملك الألباني الأصل قد غادر البلاد وحل محله أحد منها، ذلك اللواء البسيط الزي، الهادئ الطباع والطيب الملامح، ولهذا جاءت شعبية نجيب طبيعية ومناسبة وغير مفتعلة كما حدث مع الذي خلفه بعد أن أطاح به، ليحقق لنفسه ما افتقده نجيب في ملامحه وشخصيته، وهي "الكاريزما" الخاصة، بابن النيل المصري، الفلاح القوي الفصيح، والتي قد توازي شخصية الفتى العربي، أو "السوبرمان" الغربي.
ولهذا عندما جاء الى سدة الحكم جمال عبد الناصر الذي لم يكن يعرفه أحد جاء بفكرة الأسطورة، التي تجد لها رواج أيضا في جوانب الشخصية المصرية، الوريثة لحضارة الفراعنة، وكانت أسطورية عبد الناصر، بلا شك، مفتعلة ومصطنعة فضلا عن كونها غوغائية، وجاءت فكرتها بناء على نصيحة الخبراء الأمريكان، قبل الانفصال بالطبع، وأُنفق في سبيل تجسيدها والوصول إليها من خزانة المخابرات الأمريكية ما يقرب من ثلاثة ملايين جنيه مصري، وفق شهادة "مايلزكوبلاند" ضابط المخابرات الأمريكي السابق وصاحب كتاب لعبة الأمم 1، ولكن تلك الأسطورية الكاذبة انهارت في ساعات على وقع هزيمة 1967 م المخزية!
وأما السادات، فقد اختار جانب آخر من جوانب الشخصية المصرية، والتي كانت تلزمه لتناسب عهده العجيب الغريب، الذي قفز فيه في الهواء ليمنح الكيان الصهيوني شرعية الوجود على طبق من ذهب، وهذا الجانب تسرب إليه أيضا من خلال المخابرات الإمريكية ولكن بطريق غير مباشر، وفق رواية هيكل، وهو طريق الشاه الإيراني المخلوع رضا بهلوي الذي نصحته المخابرات الأمريكية أيضا بتمثيل دور "الفيرماندة" الإيراني، أو رب العائلة بالفارسية، فجاء السادات بلهجة العمدة ليقول أنه كبير العائلة المصرية، لتكون مناسبة لسياسته التي كانت تقتضي وفق نظام القرية المصرية، أن عمدتها :"لا يُسأل عما يفعل وهم يُسئلون"!
وأما مبارك فقد اكتفي بدور الموظف البيروقراطي المناسب لعهده وشخصيته أيضا، حيث أن المجتمع المصري وقتها، كان قد نفض يده من الصراع الإسلامي الصهيوني، أو العربي اليهودي، واستعد لجني ثمار انفتاح "السداح مداح "، وطال العهد بذلك الموظف الذي اكتفى بصورته وهو عائد من عمله إلى بيته وولده وفي يده الجريدة وبطيخة الصيف، ليستريح قليلا في القيلولة، وفي المساء يجلس على المقهى حتى يأتي موعد النوم ليستيقظ إلى عمله الروتيني الممل في الصباح.
السيسي ذاته عندما قرر القفز إلى كرسي الحكم المباشر قال أنه سوف يرشح نفسه ولكن دون برنامج انتخابي ودون إطار حاكم، وهذه وحدها كفيلة بالقول على أن مصر دخلت الى مسرح العبث المملوء بالكوميديا السوداء. |
ولكن في أواخر عهد ذلك الموظف البيروقراطي، بات الجيل الجديد، متناسبا مع عصر العولمة الذي كان من بين إنتاجاته العظيمة الأثر تتمثل في ابتكار مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت ضرباتها البسيطة والمتتالية هي المحرك الأساسي لتفجير بركان الغضب الشعبي المصري ضد نظام حكم ذلك الموظف الذي لم يعد مناسبا، وذلك بغض النظر عن النتيجة النهائية لما آلت إليه الأمور فيما بعد.
وعندما جاء إلى الحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي عومل بذات الطريقة التي كانت غريبة على المجتمع المصري، والذي لم يكن قد اعتاد على النيل من حكامه بسخرية لاذعة، في عهد ملوك التواصل و"الكوميكس" إن صح التعبير، وكانت تلك السخرية إحدى أهم أدوات النيل من الرئيس المنتخب وفكرة الانتخاب بحد ذاتها، حتى أن السيسي ذاته عندما قرر القفز إلى كرسي الحكم المباشر قال أنه سوف يرشح نفسه ولكن دون برنامج انتخابي ودون إطار حاكم، وهذه وحدها كفيلة بالقول على أن مصر دخلت الى مسرح العبث المملوء بالكوميديا السوداء.
وما كان للسيسي السيطرة على الوضع الساخر الذي فجره في وجه رئيسه المنتخب لينال منه حتى يأتي الوقت المناسب وينقض على السلطة، وفي المقابل لم يجد رافضي أو حتى معارضي الانقلاب إلا الانفجار من جديد على مواقع التواصل الاجتماعي، بطريقة ساخرة، وأحيانا بذيئة، لتعبر عن جانب آخر ومهم من جوانب الشخصية المصرية، التي من طبيعتها الميل إلى المزاح والفكاهة والضحك، ولو على نفسه، وهذا ما يمكن من خلاله أن نقول أن السيسي ليس أخرق في الحقيقة ولا أبله، ولا مصوره من الإخوان، وانما هي فقط لغة العصر التي قد تجعله يستمر أكثر في الحكم، وربما جعْله لنفسه، متعمدا محلا للتندر والسخرية، هي من قبيل "خليهم يتْسّلوا" بلسان مبارك، أو "موتوا بغيظكم " بلسان برهامي!
1ـ كتاب لعبة الامم وعبد الناصرـ الكاتب المصري محمد الطويل
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.