شعار قسم مدونات

اخلعي حجابك ولا تخلعي حشمتك

blogs - الحجاب

كلما دخلت إلى مجموعة surviving Hijab  على موقع الفيسبوك أو ظهر أمامي منشور خاص بها غالباً ما يكون للحديث علاقة بإحساس الفتاة أنها تعاني من ارتداء الحجاب، البعض يتحدث عن عدم القدرة على التمتع بما لذ وطاب من الثياب، أو عدم القدرة على القيام بنشاطات معينة، أو عدم القدرة على الظهور بمظهر يعجبها هي شخصياً، فهي ترى نفسها أجمل بدون الحجاب.. طبعاً هناك في المقابل الفئة الأخرى التي تحاول أن تعترض على كل هذا وتبين أن الحجاب له فوائد خارقة و ثواب لا يعوض وأنه لا يمنع ولا يحد من قدرة الفتاة على فعل كل شيء. 

ولكن ما لفت نظري مؤخراً هو ممارسة غير منطقية بالنسبة لي، فتجد الفتيات يرتدين ثوباً ما ستذهب به لحفلة أو عرس ويكون الثوب في الحقيقة غير محتشم نهائياً.. وتلف رأسها بقطعة قماش متناسقة ومكياج مؤلم للعين خصوصاً الشفاه الحمراء الفاقعة أو الفوشيا، وتعلق على الصورة: ترددت كثيراً ولكنني جاهدت نفسي وقررت أن لا أخلع الحجاب في هذه المناسبة الفلانية ولا أبين شعري. أنظر إليها حقاً وأقدّر أن معاناتها كانت حقيقة في ذهنها بأن لم تفرد شعرها فوق كتفيها حتى يتوج هذا الزي.

 

تحدثت عن مفهوم الحشمة في مدونة سابقة، ولكنني مؤخراً انتبهت إلى أن المشكلة فعلاً أعمق مما كنت أتخيل، أنظر إلى نماذج الفتيات اللواتي خلعن الحجاب ولا يستفزني الأمر كما يحدث مع البعض ولا يجعلني أتفاعل معه سوى رغبتي الحقيقية في أن لا يصاحب هذا الفعل تصاعد تدريجي في فقدان الفتاة لحشمتها العامة واحترامها لنفسها. ما أتأذى منه وأشعر بعظيم الأسف تجاهه أن تنتقل الفتاة من خلع قطعة القماش على رأسها، إلى إزاحتها من على يديها وساقيها، ثم إزاحة الحشمة من حياتها كلياً. والعذر غالباً ما يكون: أنها لا تغطي شعرها فإذاً هي غير محجبة وبالتالي لا فرق إن لبست الكم الطويل أو القصير، البنطال الواسع أو الملتصق بقدميها، طالما أنها نزعت مسمى "محجبة" فقد انتهى الأمر.

 

أذكر مرة أن أحدهم قال أن الفتاة قد تكون محجبة بنسب، بعض الفتيات يتحجبن بنسبة تستوفي كل مظاهر الحشمة وبعضهن بنسبة أقل ثم أقل.. وهكذا. تلقى هذا الحديث الكثير من السخرية في حينه، كان الناس يرددون أن على النساء أن يتحجبن بما يليق بالحجاب أو يخلعهن تماماً حتى لا يُسئن إليه، والحقيقة أن المقصود هنا كان غطاء الرأس فقط، وكأن غطاء الرأس هذا أصبح هو الذي يحدد إذا كانت الفتاة محتشمة أو لا، فإذا وضعته سموها محجبة وإذا خلعته سموها غير محجبة. لذلك تجد من تلبس بطريقة غير محتشمة وتغطي شعرها تصنف على أنها محجبة فيما تصنف تلك التي لا تغطي شعرها بالسافرة بغض النظر عن احتشام لباسها وسلوكها. وأنا عندي مشكلة في هذا التفكير الذي أوقع من الضرر الكثير. الضرر الذي يتمثل في أن تربط الفتيات والنساء الحشمة بقطعة القماش التي على الرأس، فإن نزعتها نزعت معها كل إحساس بضرورة الحفاظ على الحشمة في المظهر أو التعامل.

 

يتكرر كثيراً أن تتعرض فتاة لموقف هجر أو فسخ لخطوبة أو لطلاق، فتلجأ لإبراز جمالها ومحاولة استرعاء الاهتمام من الجنس الآخر بكل الطرق حتى تثبت لنفسها ولمن تركها وللناس أنها ما تزال مرغوباً بها وأنها لا ينقصها شيء. ستقولون افتراضك خطأ فكثير منهن يفعل ذلك عن قناعة فكرية وبعد رحلة من التأمل. قل يحدث كثيراً وكون أن هناك أمثلة أخرى لا ينفي أن النموذج الذي أصفه موجود! وليس له علاقة سوى بالرغبة في تلقي الإعجاب والاهتمام عن طريق الشكل وأسلوب الحياة. و هو لا يتوقف عند ترك قطعة القماش التي تغطي الشعر، بل ينتقل إلى مراحل أخرى من التكشف والتباسط في السلوك والمظهر. فلو كان الأمر ناتجاً عن تفكير منطقي عقلي فلماذا لم يدلها عقلها على أن الحشمة للجنسين نساء ورجال هي التي تحقق لك التحرر من الهوى والرغبة في الظهور؟ لماذا لم يدلك عقلك على أن جسدك ليست وظيفته أن يعرض على الملأ لكي تحسي بالرضى عن نفسك من خلال النظرات والتعليقات والاعتراف بمدى جمالك وبهائك؟ لماذا لم يأخذك تفكيرك إلى أن كل تلك الماديات والمظاهر لن تمنحك أي إحساس بالرضا الحقيقي ولن تجبر كسر قلبك؟ لماذا لم تفكري كيف تتعاملين مع ألمك بطريقة صحية بدلاً من أن تفقدي جزءاً منها في محاولة استعادة تلك الثقة المفقودة؟

 

يغلب على ظني شخصياً – وهو رأيي لا ألزم به أحدًا – أن معظم حالات خلع الحجاب بالمفهوم التقليدي تنبع من رغبة في تعويض إحساس ما بالضعف، النقص العاطفي، الرغبة في تحقيق الرضى عن النفس، السعي إلى تلقي التقدير وإن كان مصدره خطأً. قليل يقدمن على ذلك لأنهن لا يردن أن يرتبطن بفئة المتدينين، وقليل يفعلن ذلك لأسباب فكرية تتعلق بحرية المرأة وحقها في أن تفتخر بكونها أنثى وأن الحجاب يعزز إحساسها بالنقص ويعتبر جسدها مشكلة، وهذه أفكار تنبع من مذاهب نظرية لا تطلع عليها الفئات العامة من الناس فلا داعي للتشدق بها.

 

هل حقاً ستضعين كل ما أنت عليه في سلة الجسد الفاني الذي سيأتي عليه يوم ويتحلل تحت التراب مع الدود والقوارض؟

وهو نفس السبب الذي يدفع الرجال في هذه الأيام إلى افتقار الحشمة أيضاً في اللباس والسلوك، فقد أصبح البنطال الـ "السكيني" و "الليجينج" والقميص الممزق، والشعر المبالغ في تسريحه، والذقن التي تبدوا وكأنها رسمت بقلم من الفلوماستر كلها مظاهر تدل على استجداء للإعجاب والاهتمام. يظن الرجل للأسف بسبب الخطاب الديني التقليدي أنه مالم يظهر منه ما يصنف على أنه "عورة" فهو حرّ يصنع ما يشاء، وينسى وينسون أن الحشمة لا تعني فقط ستر العورة، وأن الخُيَلاء يدخل فيها كل ذلك من سلوكيات، وما أدراك ما الخُيَلاء.. ولكن هذا حديث لمقام آخر.

 

 أقول، إن قررت أن تخلعي حجابك فاخلعيه ولكن حافظي على حشمتك، لأنك الوحيدة التي تخسر يا عزيزتي عندما تجعلين لجسدك سطوة عليك، لا أتحدث من منظور ديني وعظي حتى لا يحتج الناس بأنها قدرات ونحن نخطئ ونتوب وخلافه، نعم أعرف ذلك.. ولكنني لا أريد أن تفكري في الأمر من هذا الجانب فحسب، بل أن تفكري فيه بعقلانية، بمنطق، أن تفكري في ما تستفيدينه حقاً عندما تجعلين ثيابك، أو المساحة التي تظهرك من جسدك هي التي تحدد مقدار إعجابك بنفسك، أو عندما تسمحين للناس أن يحددوا قيمتك بعدد التعليقات التي تتلقينها، ونظرات الإعجاب التي تصلك. هل حقاً ستضعين كل ما أنت عليه في سلة الجسد الفاني الذي سيأتي عليه يوم ويتحلل تحت التراب مع الدود والقوارض؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.