شعار قسم مدونات

لا تتقمص دور البطل وأنت كومبارس!

blogs - ظل رجل
أصبحنا نعاني من التعلق الشديد عندما نشاهد "فيلما أو مسلسلا"، وسرعان ما تتحول العلاقة إلى شكل من أشكال الإدمان، وأثناء تلك الرحلة الشيقة ننصهر في أحداثها ونتوقع ماذا سيحدث في الحلقات القادمة وننتظرها بلهفة؛ لمعرفة هل ما توقعناه كان في محله أم أن للمخرج رأيا آخر؟! ونبحث عن أنفسنا داخله، بل يضع كل منا نفسه مكان شخصية ما من تلك الشخصيات التي نتابعها في هذا العمل، وذلك بعد أن تمر علينا بعض الأحداث وتكتمل الصورة في أذهاننا، فنعرف سمات كل شخصية من هذه الشخصيات.
وكالعادة يوجد بطل وتدور الأحداث حول بطولاته وما تعرض له من أخطار، وكيف تمكن من العبور من تلك الصعوبات منتصرا على عدوه. الجميع بلا استثناء يبدأ في تقمص شخصية البطل ولا نكتفي بذلك، بل نبدأ في نسج الطموحات الناتجة عن شحنات زائدة من أحلام اليقظة، أعتقد أن هذه الظاهرة توجد في طبيعة أي إنسان وهو أن يميل إلى تقليد الشخص الذي يروق له، بل يقوم بتقليد أفعاله وأقواله وارتداء نفس نوعية ملابسه وربما يقلد مشيته!

ولكن لأول مرة يحدث معي العكس، فسألت نفسي: هل ذلك بسبب عدم مشاهدتي للأعمال الدرامية منذ سنوات؟! فتذكرت عندما كنت صغيراً، وحين يصيب البطل مكروه، كان جميع من حولي يتأثرون لذلك، وكان من المعتاد أن أرى دموعهم تسيل تعاطفا معه، لا أنكر أني كنت أتأثر بتلك المشاهد لا سيما دموع من حولي، لكن ليس دائما، فأحيانا كنت أضحك وأسخر من دموعهم وأقول إن هذا تمثيل فلماذا تبكون!

ويبقى السؤال الذي يراودني دائما ولا أجد له سوى هذا التفسير الذي جعلني أستطيع أن أكره بعض الناس الذين كنت أحبهم يوما ما؛ وذلك بسبب الأحداث التي عشتها بنفسي وتجرعت مرارتها، فهولاء الناس الذين أصبحت أكره رؤيتهم لا سيما مخاطبتهم بلساني، كانت مشاعرهم جياشة فكانوا يتباكون عندما يتعرض البطل لظلم فتشعر أن قلوبهم نقية، وترى الإنسانية في أزهي صورها.. ولكن كانت الفاجعة عندما عشنا نفس الأحداث من ظلم وقهر، فرأينا القتل والتشريد، لا أعرف أين ذهبت تلك الدموع التي كثيرا ما سالت على بطل في فيلم أو مسلسل!

تريد أن تصبح بطلا، وأنت فارغ من الداخل، ولا تمتلك أحلاما ورؤية للحياة تجعلك تنظر للعالم بنظرة مختلفة، تستطيع أن تتذكر الماضي وتمتلك القدرة على التخطيط للمستقبل، ولكن تسيطر عليك تلك الحماسة تقودك إلى أن تكون غير واقعي!

لا أعرف لماذا لم أتقمص شخصية هذا البطل كغيري من أقراني، هل لأنني أدركت حقيقة نفسي؟! والأعجب من ذلك تحليلي لكل الشخصيات، وبعد عناء توصلت لحل توافقي بيني وبين نفسي أنني كل هؤلاء الأشخاص ما عدا البطل!

كيف أضع نفسي مكان البطل وأتقمص شخصيته، فهو يمتلك كثيرا من المهارات وهو شخصية قادرة على الاستقراء وتوقع ما سيحدث في المستقبل، ويعرف كيف يتعامل مع الناس وهو عاطفي واجتماعي ويعرف كيف يحمس أصدقاءه ويشجعهم دائما، ولذلك يُرى البطل من قِبل أصدقائه على أنه واثق من نفسه! هل أوهم نفسي أنني أمتلك تلك المهارات! قد أمتلك بعض منها بدرجات متفاوتة وقد أتحلي بصفة من هذه الصفات في موقف ما وأحيانا أفتقدها!

لكن أرى نفسي في شخصية ذلك الجندي الفاهم المطيع لقائده ليس لشيء سوى أنه يؤمن بإخلاص ذلك القائد، وهذا ما يجعله يتحلى بالوفاء له، ويسمع ويطيع أوامره.. وأيضا أجد نفسي في شخصية الصديق المنقذ الذي يبذل كل جهده من أجل غيره ولا يبالي لما يتعرض له من أخطار.. وذلك الحبيب الذي يفعل المستحيل لأجل محبوبته ويشعرها بالأمان ويمنحها الثقة بنفسها لكي تؤمن به وبقضيته.. ويحلو لي أن أرى نفسي في موضع الشخص الذي يحب أمته ويسعى لحريتها وكرامتها ليعيش كل أبنائها في سعادة، حتى وإن لم يصدقوه، فهو يؤمن بالحق والعدل، ويسعى لتحقيقهما في يوم من الأيام فهو يدعم كل من يملك تلك الطموحات.

لكن لن تجد أحدا يتقمص دور العدو وما يقوم به من أفعال تخالف كل الأديان السماوية.. ولن تجد من يتقمص دور الخائن الذي يبيع نفسه للأعداء مقابل المال أو غيرها من تلك المغريات التي تسيطر على أصحاب النفوس الضعيفة..

لكن ليس شرطا أن تكون خائنا، لأن تتعامل مع الأعداء وتسعى لنصرتهم، بل هناك شخصيات قد نتقمصها وهي أشد ضررا من الأعداء ومن أي خائن، مثل الشخص الذي لا ينظر سوى تحت قدميه ولا يرى الأخطار التي تدق أبواب أمته، كل ما يشغله هو غذاؤه ونومه، ويترتب على ذلك أنه يقف ضد أي حركة إصلاح ويترصد للمصلحين ويتهمهم ويهاجمهم رغم أنه يعلم حقيقتهم ومدى صدقهم، وكأن الله أعمى قلبه..

وأيضا الشخص الذي لا يستطيع أن يتحكم في غضبه وكل همه الانتقام من الأعداء بأسرع وقت دون تفكير، هذا الشخص الطائش تجده يسقط في ألاعيبهم بكل سهولة وينجر لمخططاتهم، وبالتالي يتم تدميره، لو أنه يتريث في قراراته ويبحث عن الطريق الصحيح ويسلكه لن يقع في أيديهم بدل أن يضيع نفسه ويهدر طاقته بلا أي نفع عائد لأمته..

لكي تصبح بطلا، يتوجب عليك تطوير نفسك ثقافيا، والتركيز على السلوك السليم وبناء العلاقات الاجتماعية الناضجة، وأن تبتعد عن كل ما يعرقل سعيك لتحقيق أحلامك، وأن تتحمس لتلبية احتياجات الناس.

الواقع يقول إن الغالبية العظمى من الناس يؤدون دور "الكومبارس" ذلك الشخص الذي يؤدي أدوارًا أو لقطات ثانوية، وهو غير مؤثر ولكن لا تكتمل الصورة بدونه، وأيضا "ضيف الشرف" الذي يظهر مرة أو مرتين ثم يختفي، قد يكون ظهوره مؤثرا، لكن لماذا لا أجد أحدا يتقمص ذلك الدور؟

فالكل ينظر لنفسه على أنه البطل، فهل سأل أحد منا نفسه؛ هل أنا أستحق تلك المكانة حقا؟ هل سيأتي يوم ويُذكر اسمي في كتب التاريخ ويتم عمل "فيلم" يحكي عن حياتي وكيف وصلت لتلك المنزلة المرموقة!

تريد أن تصبح بطلا، وأنت فارغ من الداخل وليس لديك شخصية أو كيان يميزك عن غيرك، ولا تمتلك أحلاما ورؤية للحياة تجعلك تنظر للعالم بنظرة مختلفة، تستطيع أن تتذكر الماضي وتمتلك القدرة على التخطيط للمستقبل، ولكن تسيطر عليك تلك الحماسة تقودك إلى أن تكون غير واقعي!

تصبح بطلا عندما تتعامل مع المواقف حسبما تؤمن به وما يتوافق مع مبادئك، وحين تستفيد من كل لحظة وكل فرصة يمكننك استثمارها لتحفيز الناس. ومع ذلك لا تلقي أهمية لمن هو مخطئ ومن هو مصيب، فالبطل مرن ومتساهل إلا في حالة انتهاك إحدى القيم يتحول إلى شخص عدواني يقاتل، رغم أنه يكره الخلافات ويفعل كل ما يستطيعه لتجنبها.

لكي تصبح بطلا، يتوجب عليك تطوير نفسك ثقافيا، والتركيز على السلوك السليم وبناء العلاقات الاجتماعية الناضجة، وأن تبتعد عن كل ما يعرقل سعيك لتحقيق أحلامك، وأن تتحمس لتلبية احتياجات الناس، ومع كل ذلك تبحث عن الكمال الذي يجعلك لا تعطي لنفسك الفضل في أي شيء وتكون قادرا على التعبير عن نفسك وتعرف أين تذهب بك الكلمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.