شعار قسم مدونات

الوطن ما عاد الوطن!

blogs الوطن

قال لي صديقي سأسافر، قلت إلى أيِن، قال إلى بلد تحفظ كرامتي تعيرني اهتمامها حتى وإن لم أكن من ابناءها، بلد تعصمني من الغرق كسفينة نوح حين حفظته من الطوفان، قلت ويحك يا أخي وموطنك، أخذ نفساً عميقاً ثم قال، الوطن ما عاد الوطن!

الوطن يا صديقي في عيني قد أقتصر على أسلاك شائكة وسجون ودماء وبذات عسكرية!، حتى أننى شعرت بأنه ما عاد لي وطن، فالوطن قد حمل التراب وبدأ في نوبات من لطم الخدود والندم، والكل مستاء ومظلوم غير أن قلة في القصر قد منعوا الكلام، الشكوى، وحتى الضجر، حتى المنام والآذان وقراءة القرآن في ليلة رمضانية ساهرة، كل ذلك بقانون وافق عليه الشعب دون حتى أن يقرأه!

الوطن يا صديقي صار جرحاً نازفاً يكوى الأضلع، زجاجة زيت وخمسة أرغفة وملعقتين من السكر وملح كثير كثير بحجم كل معاناة البشر!، ما عاد لي وطن، فالوطن صار صحيفة صفراء، وعناوين حمراء وكلمات متقاطعة لا حل في أن تتصل، والوطن أحزاب وجماعات وفرق مشتتة وسلطة متسلطة متجهمة في وجه المواطن وغاشمة، الوطن يا صديقي صار أرجوحة في حديقة من حدائق قصر السلطنة، صندوق كبير مليء بأوراق انتخابات مزورة، وناخبون مصممون على انتخاب عنترة، الرجل الذى جاء من أزقة المعمورة المغمورة ليصبح الطاغية الجديد في سجل الطغاة، وصدقني جميعهم يا صديقي عنترة!

طمئن صديقك لا تخف، أخبر صديقك يا بنى أن طوفان بحجم الأرض قادم لاقتلاع الظلم، وينتظر دفعة بسيطة منكما كي ينطلق!

الوطن صار مثقفون يسبحون بحمد النظام، ولسان حالهم أن شاهدوا نظام الحكم في بلادنا ما أبهى الأركان وما أبدعه، والوطن صار حفنة دعاة باعوا آخرة باقية بدنيا دنيئة فانية، الوطن إرهاب وشرفاء قابعون خلف أبواب حديدية موصدة، راقصة صارت بكل بجاحة أماً مثالية وتستحق بجدارة الجائزة، مباراة كرة قدم بين شعب وقادة، وحيث أن الشعب لا يتقن فن السيطرة، فالفوز في صف القيادة دائما!، الوطن بسطاء لا يجدون علاجاً لأزماتهم، كفروا بالوطن ولم يجدوا حلاً سوى الانتحار، أنا يا صديقي لن أنتحر لكن دعني أسافر!، يا صديقي فالوطن صار وجه شاحب اللون اشتعل الرأس فيه شيباً، وقد ظهرت عليه ملامح الشيخوخة والكبر، دعني أسافر فالبلاد والعباد سيواجهون طوفان لن اتحمله.

قلت لنفسي ما أحمقك، أمسك بجلباب صديقك وابتعد، فالوطن ما عاد الوطن، صارحته أن خذ بيدي حيث بلاد الله الواسعة، حيث لا عنترة ولا أرجوحة قصر السلطنة، رد علي صوت بعيد بعيد ومتقطع، أن طمئن صديقك لا تخف، أخبر صديقك يا بنى أن طوفان بحجم الأرض قادم لاقتلاع الظلم، وينتظر دفعة بسيطة منكما كي ينطلق!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.