شعار قسم مدونات

روعة الحرب

blogs الحرب

سمعتُ لأول مرة أن لبيتهوفين مقطوعة موسيقية باسم روعة الحرب شعرتُ بشي من التناقض، فكيف يمكن أن يكون لأكثر آلات الدمار التي عرفتها البشرية وجه مشرق، ثم رتبت أفكاري بعد أن هززتُهُ يمنتاً ويسرى وقلت، بل هو اسم تهكمي يريد به المؤلف الإقلال من قيمة صناع الحروب، وبقيت في مخيلتي وجهة النظر تلك، رغم الكثير من أثار الشك التي كانت تعترينِ حول تفسيري لذلك الاسم المتناقض، فطبيعتي العربية الرافضة للتشكيك بمعتقداتِ عززت إصراري على ما أنا عليه، مؤمن كل الإيمان بأنِ قد أيقنت ما دار بين بيتهوفين وذاته عندما عنون معزوفته بهذا الاسم قبل عشرات السنين. 

اختلفت وجه النظر تلك بعد التبصر فيما آلت إليه الأمور في الشرق الأوسط وخاصة بعد الأحداث التي أطلق عليها مسمى "الربيع العربي" فيبدوا أنني لم أقضي لوحدي ساعات عديدة في تأويل المعنى الحقيقي لتلك المعزوفة، بل ولربما كانت أحد المؤشرات المهمة التي طورها العديد من الساسة لتحمل معنى مغاير لما قصده بيتهوفين، بل ومعاكس له تماماً، فقد أصبحت جازماً بأن بيتهوفين وبغير قصد قد أعطى مفهوما عميقا لسياسيي اليوم حول الحرب.

 

فمن وجهة نظرهم التي لا تخلو من الأنانية، يرى السياسيين أن الحرب ليست مفهوم سوداوياً دائماً وأنها ليست ظلامية وهدامة لجميع الأطراف، بل يمكن أن يستفاد منها لتعزيز موقف سياسي أو تطوير استثمار طويل الأمد. كل ذلك مع عدم المساس الظاهري بحقوق الإنسان أو خرق لأي من القوانين الدولية، كيف لا واللجنة الدولية للصليب الأحمر تعرض على موقعها الرسمي بأن القانون الدولي الإنساني هو مجموعة من القواعد والمبادئ التي وجدت من أجل الحد من آثار النزاعات المسلحة وليس من أجل منعها. وهي بذلك تجيز الحرب وتمقت نتائجها.
 

لم يخطر ببال الساسة أنه من المحتمل أن ذلك الاسم بل وتلك المقطوعة بالأساس وجدت من أجل إدخال كل من يستمع لها بحالة ضبابية مخيفة مشابه للحالة التي يعيشها الإنسان قبل بدء أي حرب، ويسري في عروق المستمعين رهاب المجهول

في خضم هذا المفهوم تسعد الدول الكبرى كل يوم بسنفونية بيتهوفين وهي تغذي بنوكهم بأجمل الألحان، مقنعين أنفسهم بأن للحرب روعة، فطالما أنهم بيتهوفين هذا الزمان والدول العربية آلاته فلا مانع من الاستمتاع بما يعزفونه من ألحان على جثث أبنائنا، وكلما طالت تلك الحروب انتفخت جيوبهم وزهقت أرواح من لا ضير في أن تزهق أرواحهم. إن مفهومهم الخاص عن الحرب لا يمكن أن نفصله عن القوانين الحاكمة للحياة بسهول سيرين غيتي أو غابات الأمازون. 

ولم يخطر ببال الساسة أنه من المحتمل أن ذلك الاسم بل وتلك المقطوعة بالأساس وجدت من أجل إدخال كل من يستمع لها بحالة ضبابية مخيفة مشابه للحالة التي يعيشها الإنسان قبل بدء أي حرب، ويسري في عروق المستمعين رهاب المجهول الذي يسكن المكان بعد أن يكسر السكون أنين المدافع. فالموسيقار يتطلع بأن يُولد شعوراً عاماً لكره الحرب، ويحفز الأفراد للتصدي لانتشار هذه الظاهرة ليس فقط في الوطن الذي ينتمِ له بل في جميع أرجاء هذا الكوكب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.