شعار قسم مدونات

العالم العربي المتلهف للهيمنة الأمريكية

blogs ترمب

منذ حرب 1967م بين العرب وإسرائيل والتي كانت قبل نصف قرن من الآن والعالم العربي والإسلامي يكن مشاعر معادية لأمريكا (الدولة العظمى) وذلك بسبب انحياز أمريكا (الغير أخلاقي) لإسرائيل وتبريرها لكل ممارسات العدوان والاستيطان التي تمارسها الدولة العبرية.

وهذا الاندفاع الشعبي في معاداة أمريكا دفع العالم العربي والإسلامي للارتماء في أحضان كل الجهات التي ترفع شعارات العداء لأمريكا فانتشرت الدعايات السوفيتية واليسارية والقومجية والإسلامية التي تعتبر أن تدمير أمريكا هو الخلاص الوحيد لمشاكل الشرق الأوسط باعتبارها البلد المتآمر الأكبر الذي يسيطر عليه اللوبيات اليهودية الصهيونية وهذا ما دفع بعضنا في سذاجة لتكرار ما فعله أجدادنا عندما كانوا يؤيدون أدلوف هتلر في الحرب العالمية الثانية ويسمونه بالحاج محمد هتلر باعتباره عدوا للإمبراطورية البريطانية التي كانوا يكنون لها كل عداء أو إلى تأييد ما فعله أسامة بن لادن في 11 سبتمبر 2001م والذي سماه بغزوة منهاتن.

 

يبدو أن سكان منطقتنا أصبحوا يعانون من مرض هو معاداة أمريكا أو معاداة الأمركة أو(AntiAmericanism) فحسب إحصاء أجراه مركز دراسات بيو الأمريكي قبل عامين فقط  فإن 85% من المصريين و83% من الأردنيين و60% من اللبنانيين و46% من الكويتيين و47% من التونسيين و56% من المغاربة  كلهم يكرهون أمريكا ويعتبرونها مصدر المصائب التي تعاني منها بلادهم في حين أن بلاد أخرى دخلت فيها أمريكا بجيوشها وحاربت فيها ولم تحصل السياسات الأمريكية على هذا المرتفع من العداء مثل فيتنام 14% وباكستان 45% واليابان 29% وألمانيا 38%. 

 

ظللنا نناضل من أجل انسحاب القوات الأمريكية من الجزيرة العربية والشرق الأوسط بحجة أن هذه القواعد هي قواعد احتلال (صليبي) ثم شاهدنا نفس تلك الأبواق الحنجورية وهي تشيد بإنشاء قاعدة روسية عسكرية في مطار حميم السوري

لنتكلم بوضوح ونعترف أننا خلال الخمسين عاما الماضية خدعنا بما فيه الكفاية عن طريق أصحاب الشعارات والخطابات الحنجورية وخرجنا من التاريخ وعاجزون عن العودة إليه حتى الآن والسبب في ذلك أننا نتعامل في قضايا الدول بحسابات العواطف لا بحسابات المصالح الاستراتيجية والقومية.

 

ومن ذلك أن ظللنا نناضل من أجل انسحاب القوات الأمريكية من الجزيرة العربية والشرق الأوسط بحجة أن هذه القواعد هي قواعد احتلال (صليبي) ثم شاهدنا نفس تلك الأبواق الحنجورية وهي تشيد بإنشاء قاعدة روسية عسكرية في مطار حميم السوري وبتوسيع مساحة قاعدة طرطوس السورية وتنادي بإعطاء قواعد عسكرية لروسيا في دول عربية أخرى.

 

على المستوى السياسي نحن لم ندرك مدى خطورة الوضع إلا عندما بدأ الانسحاب الأمريكي من منطقتنا في نهاية فترة باراك أوباما حيث شاهدنا لأول مرة التجرؤ الروسي على مهاجمة دولة عربية مسلمة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بحجة دعم نظامها لمكافحة الإرهاب ثم ظهور البوارج الروسية العسكرية لدعم خليفة حفتر في ليبيا وظهور بوادر تدخل روسي لدعم إيران ومليشياتها في اليمن، ويصل التنسيق إلى مستوى فتح إيران لمجالها الجوي ولقواعدها العسكرية للاتحاد الروسي ليهاجم الأراضي السورية وتشكل قوات الحرس الثوري الإيراني وميلشياتها التابعة قوات القتال التي تعتمد عليها روسيا في رسم استراتيجيتها في سوريا.

 

قبل عشر سنوات من الآن كانت الولايات المتحدة تحمي منطقة الشرق الأوسط من كل المهددات الروسية والإيرانية و(الإرهابية) باعتبار أن الشرق الأوسط كان مصدر الطاقة الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا عندما تحمي هذه المنطقة فإنها تقوم بحماية مصالحها الاستراتيجية ولكن مع تطور صناعة النفط الأمريكية واستطاعة الولايات المتحدة استخراج النفط الصخري فقد تغيرت سياساتها تجاه منطقتنا وأصبحت على استعداد لتسليمها لأي جهة كانت حتى لو كانت إيران أو روسيا أو الصين باعتبار أن الدول الأوربية (خارج الحسابات) فهي دول ضعيفة تمزقها الصراعات الداخلية وتعلني من الإرهاب ومن صعود حركات اليمين المتطرف الفاشي ولم تعد تلك الدولة مستقرة تضع سياسات استراتيجية كما كانت قديما.

 

أتفهم كرم الضيافة السعودي وحرص السعودية على إرضاء ضيفها غريب الأطوار لكسبه إلى صفها في الحرب على إيران فالسعوديين هم في أمس الحاجة إلى مساعدة أمريكية للتصدي للمخططات الإيرانية

في الحقيقة أنا لست سعيدا بالاستقبال الحافل الذي حظي به ترمب في السعودية وأعتقد أن شخصا عنصريا حقودا مثله لا يستحق سوى حذاء طائر كالذي صفع به جورج بوش من قبل الصحفي العراقي منتظر الزيدي.
 

أتفهم كرم الضيافة السعودي وحرص السعودية على إرضاء ضيفها غريب الأطوار لكسبه إلى صفها في الحرب على إيران فالسعوديين هم في أمس الحاجة إلى مساعدة أمريكية للتصدي للمخططات الإيرانية التي استفادت من تردد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن اتخاذ القرارات السليمة ونهجه غير الصدامي مع المشروع الإيراني والروسي.

 

فقد كانت استراتيجية أوباما قائمة على أن الشرق الأوسط لابد أن يترك ليواجه مصيره أمام إيران وروسيا ولذلك فقد سمحت إدارة أوباما لروسيا بالتدخل العسكري في سوريا بل إنها وقعت معها مذكرة تفاهم لتنظيم تدخلها بما لا يضر بالمصالح الأمريكية الموجودة في روسيا ومنها قواتها القليلة الموجودة لمقاتلة تنظيم داعش في شمال سوريا وقناعة أوباما أن الشرق الأوسط هو تجمع لطوائف وأعراق شتى وهو في حالة فوضى فلنترك لإيران وروسيا مهمة تقويض الفوضى الموجودة فيه لصالحنا ولنعين إيران شرطيا على المنطقة.
 

وهذا الأمر يتنافى مع توجهات الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب الذي يكن عداء كبيراً لإيران بسبب خلفيته الجمهورية والمحافظة التي تميل لنموذج أمريكي أكثر إمبريالية. الأموال التي أنفقتها المملكة العربية السعودية على استمالة ترمب إلى صف الدول العربية المعتدلة كانت ستنفق ضعفيها على خسائر تدخلات إيران المتوقعة في دول الخليج.

 

من المؤسف أن نتمنى استمرار عصر الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط ولكنه قدرنا الذي وضعنا فيه من قرر تدمير الربيع وأحلام الشعوب في 2011م ظناً منه أنه سيستطيع إيقاف حركة التاريخ

الأموال التي دفعتها السعودية لترمب هي لشراء أمنها وأمن دول الجوار من الرئيس التاجر دونالد ترمب وما أوجدت الأموال إلا لتنفق فماذا استفاد الشعب العراقي والليبي من خزائن بنوكهما المركزية المليئة بالنقود والعملات الصعبة وضياع بلدهم على يد عصابات إيران وتنظيمات السلفية الجهادية.

 

من المؤسف أن نتمنى استمرار عصر الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط ولكنه قدرنا الذي وضعنا فيه من قرر تدمير الربيع وأحلام الشعوب في 2011م ظناً منه أنه سيستطيع إيقاف حركة التاريخ فأدخل الدول العربية الرئيسية في صراعات أبعدتها عن القيام بدورها الحضاري في إيقاف تمدد دول الجوار العربي حتى طمعت فينا إيران وتركيا وأثيوبيا وانفجرت قنابل الأقليات الموقوتة التي استخدمت من قبل في تفكيك الدولة العثمانية لتفككنا من جديد.